الكاتب مهندس : عماد حمدى إبراهيم
الفلول تلك الكلمة التي اصبحت تسمعها الاذان تقريبا بشكل يومي بعد ثورة يناير المجيدة ويقصد بها كل من كان على ارتباط بالنظام السابق وساهم في افساد الحياة السياسة عبر الثلاثة عقود الماضية ولكني ارى ان اقصاء كلمة الفلول على من افسدوا الحياة السياسة تعبير غير دقيق فهناك نوع اخر من الفلول لم تعتاد الاذان على سماعه ولعلي اثيره في موضوعي هذا وهم فلول الجودة.
الجودة تلك الغاية التي تسعى لتحقيقها المؤسسات والشركات ولم يقتصر الامر عليهم فقط بل ايضا اصبحت عنوانا للتفوق والمنافسة بين الدول ,بل ان ديننا الحنيف وجميع الاديان السماوية اولتها عناية فائقة, فكلنا يعلم حديث الرسول محمد صلى الله عليه وسلم (ان الله يحب اذا عمل احدكم عملا ان يتقنه)واتقان العمل هو المقصود بالجودة وعندما تتقن عملك فأنت ترضي المستهدف من هذا العمل والمستهدف من العمل بلغة اهل الجودة هو العميل.
فالمؤمن يتقن ويخشع في صلاته ارضاء لربه سباحنه وتعالى والصانع يتقن صناعته ارضاء للمستهلك لها.
فالجودة ببساطة كفهموم هو ارضاء العميل
بحيث تدار وتسخر جميع ادارات المؤسسة لتحقيق رضاء العميل
فهي مجموعة من الحلقات المتحدة مع بعضها البعض لتصل الى التميز المؤسسي الذي ينعكس على المنتج او الخدمة المقدمة الى العميل والعميل ليس مستخدم السلعة فقط كما هو متعارف عليه بل ان مصطلح العميل اوسع واشمل من ذلك
فعلى سبيل المثال انت كمواطن تعتبر عميل للدولة بكل وزاراتها واداراتها تسعى لارضاءك والدولة تلعب دور العميل تارة ودور المنتج تارة أخرى حيث تسعى مؤسساتها لتحقيق اهدافها التي هي اهداف مواطنيها.
ان ما سردته عن تعريف الجودة ماقصدت منه الا لاوضح لك اخي القارئ اهمية الجودة وانها جزء لايتجزأ من حياتنا سواء في اعمالنا او عبادتنا او على مستوى السياسة ولكن للأسف كما ان للسياسة فلول فللجودة ايضا فلول
هؤلاء الذين تآمروا لجعل الجودة ماهي الا ورقيات واصبحت وهمية مفرغة من معايرها الحقيقية ………هؤلاء الذين جعلوا من الجودة مجرد برواز تعلق فيه شهادة تشير الى التطابق مع مواصفة ما
ان تهميش الجودة وافراغها من معناها الحقيقي امر خطير جدا بل اني اعتبره امر قومي لايقل اهمية عن اي شأن من شؤون امننا القومي مثل (ملف نهر النيل او ملف القضية الفلسطينية )وغيرها من الملفات القومية
واعتقد انه لابد الان ان يضاف ملف الجودة الى حقيبة ملفات مصر القومية
نعم هو امن قومي للدول فالدولة التي تتنتج بلا جودة لاتقدر على المنافسة الدولية المنافسة الدولية التي لايوجد لدولة مكان فيها لغير المنتج المتميز والقليل السعر
والمؤسسة التي تتدعي الجودة لمجرد حصولها على شهادة ما مثل الايزو 9001 على سبيل المثال ولاينعكس ذلك على منتجها ولاترى فيه اي نوع من انواع الجودة غير مجرد صورة لعلامة الايزو على كرتونة المنتج
هي مؤسسة مخادعة تستهتر بعقول عملائها وتخدعهم
ولعلي اتعمق اكثر في احد مواصفات الجودة وهي الايزو 9001 وتطبيقها في المؤسسات الصناعية لايصال الغاية من الموضوع لاذهان قرائنا وربطه بمجال الصناعة التي هي احد المصادر الرئيسية من مصادر قوت الشعب المصري ومنظمة الأيزو وهي منظمة تابعة للأمم المتحدة مقرها جنيف وتعتني بإصدار المواصفات القياسية ومصر عضو مؤسس بها ويمثلها هيئة التوحيد القياسي.والأيزو 9001 هو نظام لادارة الجودة في المؤسسات يسعى لتحقيق رضا العميل والتحسين والتطوير المستمر والشكل التالي يوضح الاطار العام لمواصفة الايزو 9001
وتمر المؤسسات بعدة مراحل لتأهليها لنظام ادارة الجودة ISO 9001
- تكوين فريق للعمل
- إنشاء خطة العمل
- تحديد سياسة وأهداف الجودة
- برنامج توعيه وتنفيذه
- العمليات التي يشملها النظام
- اختيار أصحاب العمليات
- العمليات وإنشاء الوثائق
8-تنفيذ نظام الجودة ، وإجراء المراجعات
9- التسجيل للآيزو مع احد الجهات المانحة للشهادة
ولكي تتمكن المؤسسة من تطبيق هذه الخطوات تستعين باحد المكاتب الاستشارية المتخصصة في هذا النظام وهنا ياتي دور الفلول وهو دور بعض المكاتب التي تتاجر بالنظام بحيث يقتصر دورها على مجموعة من الاجراءات والنماذج التي يحملها الاستشاري في حقيبته والتي لاتحاكي واقع الشركة و لا تطابق نشاطها
مجرد ان يقوم الاستشاري بتغيير شعار الشركة الموجود على الاجراءات والنماذج بشعار الشركة المطلوب تأهليها
وليسهر فريق عمل قبل موعد المراجعة الخارجية على النظام بأيام لملء هذه النماذج التي لاتمثل واقع الشركة مجرد حبر على ورق لافائدة منه لتزوير الحد الادنى من المطالب الرئيسية في المواصفة
انها جريمة تزوير كاملة الاركان
ثم ياتي بعد عملية التزوير هذه دور بعض الجهات المانحة الذين ايضا يتاجرون بالجودة ولايختلف دورهم عن دور الفنان عادل امام في مسرحية شاهد ماشفش ليشهد بكفاءة وتميز النظام و ليبارك في نهاية المراجعة للشركة حصولها على شهادة الايزو 9001
ثم يكتب تقرير المراجعة المطلوب منه تقديمه لجهة اعتماده وينصرف لينتقل في اليوم التالي ليلعب دور عادل امام مع شركة اخرى مرة اخرى
لم يعلم هذا المراجع عندما يراجع على تطابق شركة ما مع اي نظام جودة انه
اصبح هنا في مكان القاضي والشاهد معا
القاضي الذي يحكم لهذه المؤسسة بتوافقها مع النظام والشاهد الذي يشهد لها بتطبيق النظام
واعتقد انه لايقل اثما في هذه الحالة عن قاض ظالم او شاهد زور
وللأسف كم كان مثل هؤلاء سببا في ضم المئات من الشركات الى قوائم الحاصلين شهادات الايزو الصحيحة المظهر المزيفة الجوهر
وكل هؤلاءفاسدون …….كلهم فلول باعوا ضمائرهم ودنسوا صناعتنا ومنتجاتنا وفسادهم هذا لايقل ابدا عن فساد فلول الساسة الذين افسدوا الحياة السياسة وعاثوا في الارض فسادا
ألم يعلموا انهم بصنيعهم هذا افسدوا قطاع الصناعة الذي هو من اهم قطاعات التنمية الاقتصادية في الدولة
ولعلي الان اخي القارئ الكريم اقص عليك بعض من قصص الفساد الحقيقية عن من افسدوا الجودة واظن انك حين تقرأها تحسبها طرفة ولكنها للأسف حقائق
لا انسى ابدا هذا الشخص الذي كلمني عبر الهاتف ممثلا لاحد الجهات المانحة عندما سمع عن مجال عملي في تأهيل الشركات لأنظمة الجودة
فقال لي بالعامية بص يابشمهندس انا هكون معاك دغري واستريت ومن غير لف او دوران ……..شركتي مستعدة تمنحك اي شهادة جودة لاي شركة تقوم بتأهيلها وبدون عمل المراجعة الخارجية عليها اساسا وذلك مقابل مبلغ ما ونسبة مالية لي
ومن حقارة اسلوبة اغلقت المكالمة في وجهة وشعرت بعدها وكأن اذني قد لوثت وبحاجة الى غسيل
وللأسف مثله الكثير ممن باعوا ضمائرهم على حساب الجودة فهذا مرتشي وهذا مجامل لصاحب شركة ما وكلهم ساهموا في افساد الجودةوكلهم فلول
موقف اخر طريف يحكيه لي احد اساتذتي في الجودة وهو صاحب احد المكاتب المتخصصة في تدريب وتأهيل الشركات لانظمة الجودة حيث يقول لي ان احد اصحاب الشركات اتصل علي ويقول له بعد التحية والسلام ممكن لو سمحت اشتري ايزو لشركتي من ابو اسبوع يقصد اي يقوم الاستشاري بانهاء تأهيل الشركة في اسبوع
يريد ان يطبق مواصفة عالمية للجودة بكل بنودها ومتطلباتها في اسبوع يعني لربما هو استحى من ان يقولها صريحة انه يريد تزوير النظام ……وهذا ايضا فلول
مالفرق بينه وبين من زور انتخابات الرئاسة في العهد السابق ……..كلهم مزورون وكلهم فلول لكن بأقنعة مختلفة.
واذا كنا في مجال السياسة تطالب النخبة السياسة بوجود قوانين للغدر السياسي لمن ساهموا في افساد الحياة السياسية فانا اطالب ايضا بعمل قوانين غدر لكل من ساهم باي شكل من الاشكال في افساد الجودة ومحاكمته مثلما يحاكم مفسدوا النظام
- نظرة تحليلية لمناقشة الاسباب التي ادت الى افساد الجودة
1- عدم الوعي لاصحاب الشركات والمؤسسات بأهمية الجودة كركيزة اساسية لدفع عجلة التنمية واهتمامهم بالانتاج على حساب الجودة
2- غياب الرقابة الحكومية على الشركات والمصانع فلا يوجد اي دور رقابي من الحكومة للتأكد من توافق هذه المؤسسات لمتطلبات انظمة الجودة
3- الدعم الحكومي الموجه لغير المستحقين
مثل بعض مشاريع الدعم الحكومي التي قامت في الفترة السابقة لدعم الشركات الراغبة في ان تتأهل لنظام الايزو والحصول على الشهادة
واقصد هنا الدعم الذي يصل لمرحة الاستخفاف بالنظام بمعنى هل من المنطقي ان تدفع شركة ارباحها الشهرية بالملايين للحصول على خدمة التأهيل لشهادة الايزو 9001 مبلغ لايتجاوز السبعة الاف جنيه.
انا لست ضد الدعم للصناعات بل هو امر محمود لكني ضد الدعم لغير المستحقين له واعتقد انه كان من الاولى ان يوجه هذا الدعم لمشاريع شباب الخريجين الذين هم فعلا بحاجة لهذا الدعم.
ولكني ارى ان دعم المؤسسات الكبرى والقادرة على الدفع يقلل اهتمام المؤسسة ودعمها للنظام حتى وصل الامر الى نوع من المتجارة خذ الثلاثة شهادات بثمن اقل وكأن هذه الشهادة اشبه بالسلع التي تسوق عبر التلفاز اشتري اثنين واحصل على الثالثة مجانا
4- عدم وجود رقابة على المكاتب الاستشارية فلا يوجد اي معايير لاعتماد المكاتب الاستشارية او الاستشاريين العاملين بها فكان من كان يستطيع بسجل تجاري وبطاقة ضريبية ان يفتح مكتب استشاري ويسوق لنفسه حتى لو كان مكتبا وهميا مجرد عنوان مكتوب في سجله التجاري ليس اكثر حتى تحول الامر الى ما يسمى بتجار الشنطة ليعرض اي مكتب من هؤلاء على اي شركة تأهليها للايزو بأقل سعر فيقتصر دورة على اعطاءة لمجموعة من النماذج لاتمثل اي واقعا للشركة
5- ضعف الدور الرقابي على الجهات المانحة وعدم التأكد من صلاحيتها ومدى كفاءة مراجعتها
6- غياب الدور الاعلامي للتوعية بخطورة هذا الامر فلا نجد اي برنامي تلفزيوني او اذاعي او جريدة ما تلتفت لمثل هذا الامر
ختاماايها القارئ الكريم اني لم اقصد ابدا من موضوعي هذا التعميم فكما ان حجم الفساد في هذا القطاع كبير ايضا يوجد وجه اخر للصورة مشرف لنماذج من الاستشاريين والمراجعيين واصحاب المؤسسات الذين لم يتاجروا ابدا بالجودة ولم يساهموا في افسادها
وكم من المؤسسات التي اصبحت في الصدارة داخليا وخارجيا وذلك لايمانهم بالجودة واهميتها فهولاء يستحقوا منا كل تقدير واحترام لانهم لم يبيعوا ضمائرهم في عصر اصبح الضمير فيه كالسلعة يباع ويشترى.
ان الله سبحانه وتعالى خلقنا في هذه الدنيا لنعبده ونعمر ارضه التي هي بستان هذه الحياة ……..لنغرس ونزرع ونجني ثمار ما اتقنا زراعته لنمتثل لامره في اتقان العمل ان علينا دور هام بعد ثورة يناير المجيدة وهو ان نبدأ بأنفسنا في الاصلاح والتنمية فعلى كل من يصر على تزييف الجودة ان يراجع نفسه فلم يعد هناك من الوقت مانضيعه لنلحق بركاب الامم المتقدمه ولم يبقى لنا بعد ان حرر شبابنا وطننا من الفساد الا ان نعمل وان نتقن اعمالنا …….ان دفع عجلة الاقتصاد المصري التي باتت في تراجع مسئولية كل فرد فينا وليس مسئولية الحكومة وحدها ام هل سنظل نحلم فقط وبدون عمل.
اعلم جيدا اننا تستوحينا احلامنا وتحلق بنا في دنيا مليئة بالاماني ولكن اعلم اخي الكريم ان الحلم لايأتي الا لنائم وان النائم لن يحققه الا اذا استيقظ
فإلى كل من يحلم بمثل حلمنا
الى كل من يهمه نهضة اوطاننا
الى كل من سيكمل الانشودة ويجعل الحلم حقيقة
الى كل هولاء استيقظوا.