الكاتب: مهندس ابراهيم توفيق
عضو هيئة تحريير عالم الجودة
إدارة الأزمات والربيع العربى
Crisis Management and Arabian Spring
إن الاستعداد لما قد لا يحدث او لم يكن بالحسبان , والتعامل مع ما حدث لا يخفى على المتابع لسير الأحداث بخاصة السياسية منها ما للأزمات بكل أنواعها من دور في تاريخ الشعوب والمجتمعات سواء على صعيد الهدم أو البناء, وقراءة متأنية لدور الأزمة بشكل عام يفضي بنا إلى ان نلتمس خيط يقودنا إلى حقيقة مفادها ان المجتمعات التي اعتمد الهرم القيادي فيها على فرق خاصة وكفائه في التعامل مع الأزمات كانت أصلب عودا وأكثر على المطاوعة والاستمرار من قريناتها التي انتهجت إسلوبا مغايرا تمثل بالتصدي المرتجل والتعامل بطرق غير مدروسة سلفا مع بؤر الصراع والتوتر مما أدى بالتالي إلى ضعفها وتفككها، فالأزمات ظاهرة ترافق سائر الأمم والشعوب عامة وفي جميع مراحل النشوء والارتقاء والانحدار.
ولو أمعنا النظر في ثنايا الأحداث التاريخية الكبرى لوجدنا أن الأزمة على مر العصور تتوسط المراحل المهمة في حياة الشعوب, فبين كل مرحلة ومرحلة جديدة ثمة أزمة تحرك الأذهان وتشعل الصراع وتحفز الإبداع وتطرق فضاءات بٍكر تمهد السبيل إلى مرحلة جديدة, غالبا ما تستبطن بوادر أزمة أخرى وتغييرا مقبلا آخر، وكان لنمو واتساع المجتمعات ونضوب الموارد المتنوعة وشدة المنافسة السياسية والاقتصادية الكلمة الفصل في طول حياة الأزمات إلى حد أصبح تاريخ القرن السابق على سبيل المثال يشكل سلسلة من أزمات تتخللها مراحل قصيرة من الحلول المؤقتة, ومن هنا نشأت أفكار جدية من اجل دراسة وتحليل الأزمة ومحاولة الخروج منها بأقل الخسائر وتأخير الأزمة اللاحقة إن تعذر تعطيلها.
ويرى (schermehorn) أن الأزمة الإدارية إنما هي مشكلة غير متوقعة قد تؤدي إلى كارثة إن لم يتم حلها بصورة سريعة. وعرفها (اللوزي) بأنها كل موقف أو حدث يؤدي إلى أحداث تغيرات ايجابية وجادة في النتائج وهي حدث أو تراكم لمجموعة من أحداث غير متوقع حدوثها تؤثر في نظام المؤسسة أو جزء منه وهي من الناحية العملية انقطاع عن العمل كليا أو جزئيا لمدة تطول أو تقصر لسبب معين يتبعها تأثر الكيان وتحوله.
مفهوم الأزمة CRISIS:
أورد جبر تعريفاً للأزمة أنها “تعني تهديداً خطرًا متوقعًا أو غير متوقع ,لأهداف وقيم ومعتقدات وممتلكات الأفراد والمنظمات والدول , والتي تحد من عملية إتخاذ القرار,
تعريفًا آخر أوردته منى شريف بأنها موقف ينتج عن تغيرات بيئية مولدة للأزمات ويتضمن قدرًا من الخطورة والتهديد وضيق الوقت والمفاجأة ويتطلب استخدام أساليب إدارية مبتكرة وسريعة.
أيضًا عرّفها عليوه بأنها توقف الأحداث في المنظمة واضطراب العادات مما يستلزم التغيير السريع لإعادة التوازن.
مفهوم آخر ,هى عبارة عن خلل يؤثر تأثيراً ماديا على النظام كله، كما أنه يهدد الافتراضات الرئيسية التى يقوم عليها النظام .
ويتطلب وجود الأزمة توافر شرطين أساسيين هما:
1 . أن يتعرض النظام كله للتأثير الشديد إلي الحد الذي تختل معه وحدته.
2 . أن تصبح الافتراضات والمسلّمات التي يؤمن بها أعضاء المنظمة موضعا للتحدى لدرجة أن يظهر لهم بطلان هذه الافتراضات. بمعنى أن الأزمة في جوهرها تهديد مباشر وصريح لبقاء كيان المنظمة واستمرارها.
وقد تحدث أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية على المستوى القومي تعرف كل منها طبقا لمجالات العمل المخصص.
مفهوم الكارثة Disaster
الكارثة هي الحالة التي حدثت فعلا وأدت إلى تدمير وخسائر جسيمة في الموارد البشرية والمادية , وأسبابها أما ان تكون طبيعية أو بشرية, وعادة ما تكون غير مسبوقة بإنذار, وتتطلب اتخاذ إجراءات غير عادية للرجوع إلى حالة الاستقرار, وقد تؤدى الكارثة إلى ما يسمى بالأزمة مثل الأزمات الصحية والاجتماعية التي حدثت في مصر بعد الزلازل 1992 .
والعكس صحيح فقد تؤدى الأزمات إلى كوارث إذا لم يتم اتخاذ القرارات والإجراءات المناسبة لمواجهتها.
من خلال استعراض التعاريف السابقة لمفهوم الأزمة والكارثة نجد أنها تعني اللحظة الحرجة ونقطة التحول التي تتعلق بالمصير الإداري للمنظمة ويهدد بقائها وغالبًا ما تتزامن الأزمة مع عنصر المفاجأة مما يتطلب مهارة عالية لإدارتها والتصدي لها.
لنتعرف أولا على بعض المصطلحات الفنية :
1. المشكلةproblem :هى حالة من التوتر, وعدم الرضا , تنجم عن بعض الصعوبات, التى تعوق تحقيق الأهداف او الوصول إليها.
2. الكارثةDisaster : هى حالة حدثت فعلا وأسفرت عن العديد من الخسائر فى الموارد ,البشرية والمادية.وهى نتيجة لتراكم العديد من التأثيرات,او حدوث خلل مفاجئ , يؤثر فى المقومات الرئيسية للنظام ,وتشكل تهديدا صريحا,واضحا لبقاء المنظمة او النظام نفسه.
3. الحادث Accident:يعبر عن شئ فجائي,وقع بصورة سريعة,وينقض أثره فور وقوعه.
4. الصدمة Shock: هى شعور مفاجئ حاد,ينتجه حادث غير متوقع,ويجمع بين الغضب والذهول والخوف, ومن ثم تكون الصدمة هى احد عوارض الأزمات وإحدى نتائجها.
5. الصراع Conflict: مفهوم يعبر عن العلاقة الاجتماعية بين الناس ,ويسببه تعارض الأهداف أو المصالح ,سواء بين الأشخاص ,بين الكيانات,التنظيمية والاجتماعية المختلفة .
6. الخلاف Dispute:مفهوم يعبر عن المعارضة , والتضاد ,وعدم التطابق فى الشكل, أو فى الظروف والمضمون ,وهو قد يكون احد مظاهر الأزمة ,ولكن لا يعبر عنها تماما.
7. إدارة الأزمات Crisis Management : هى كيفية التغلب على الأزمة ,بالأدوات العلمية والإدارية المختلفة ,وتجنب سلبياتها ,والاستفادة من إيجابياتها .
8. طريقة الإدارة بالأزمات Management By Crisis : تعتمد هذه الطريقة على صناعة الأزمة ,بصورة حقيقية او بصورة مفتعلة .ويمكن ذلك من خلال التخطيط لخلق الأزمة ,ثم استثمارها أو استثمار الفرص التى يمكن أن تنتج من أزمة حقيقية,لتحقيق بعض الأهداف التى كان يصعب تحقيقها ,فى الظروف العادية.
مراحل أطوار الأزمة :
1. نشأة الأزمة:
وهى المرحلة الأولى التى تبدأ فيها الأزمة تلوح فى الأفق، إذ يداهم متخذ القرار إحساس بالقلق. ويستطيع متخذ القرار فى هذه المرحلة، بخبرته ونفاذ بصيرته، أن يفقد الأزمة مرتكزات نموها من خلال تنفيس الأزمة ومحاولة تجميدها.
2. نمو الأزمة :
إذا تطورت الأزمة بعد ميلادها نتيجة عدم قدرة متخذ القرار على القضاء فإنها تنمو بحيث لا يستطيع متخذ القرار أن ينكر وجودها أو تجاهلها. وهنا يجب عليه التدخل الإيجابي من أجل إفقاد الأزمة عوامل تطورها.
3. تفاقم الأزمة :
وتصل الأزمة الى هذه المرحلة نتيجة عدم دراية متخذ القرار بأبعاد الأزمة محل الاعتبار واستبداده بالرأي وانغلاقه على نفسه، أو عدم التخطيط المسبق لها. ومن ثم تزداد قوى المجتمع المتفاعلة مع الأزمة حيث تغذى الأزمة بقوى تدميرية إضافية. و نادرا ما تصل الأزمات الى هذه المرحلة فيما عدا الأزمات الناتجة عن كوارث طبيعية مفاجئة وسريعة التطور.
وهنا يوجد عدة أسباب لتفاقم الأزمة ، أهمها :
1- عدم توفر معلومات كافية عن عواملها وأسبابها ,وعدم دقة الحكم على الأحداث.
2- يترتب عليه سوء التخطيط والإدارة .
3 – وسوء الأداء وعدم وجود إجراءات أمنية أثناء الأزمة وبعدها .
4- و انزعاج صانع القرار تحت ضغط الأزمة أو عدم الثقة في اختياراته .
5- عدم تناسق وتكامل أفراد منظومة صنع القرار .
6- حدوث تغيرات خارجية أو داخلية في المؤثرات على الأزمة .
7- عدم الاستخدام الأمثل للموارد المعلوماتية والاقتصادية والبشرية المتاحة .
السمات السائدة للأزمة: أورد جبر عدة سمات للأزمة منها:
1.الإدراك بأنها نقطة تحول.
2.تتطلب قرارات سريعة.
3.تهدد أهداف وقيم الأطراف المشاركة بها.
4.فقدان أو ضعف السيطرة على الأحداث.
5.تتميز بضغط عامل الوقت والشعور بالضبابية والاضطراب مما يولد القلق.
6.و أضاف عليوه سمة عنصر المفاجأة بها ,ونقص المعلومات , والتعقد والتشابك في الأمور أثناء حدوثها.
أنواع الأزمات :
تنقسم الأزمات الى ثلاثة أنواع رئيسية ( أزمات داخلية , وأزمات خارجية , وأزمات الصراع المسلح والإرهاب الدولي)
أولا أزمات داخلية :
وهى تعتبر من أخطر الأزمات التي تواجه دولة ما ، تلك الأزمات تمس كيانها الداخلى وتهدد أمنها القومى وتؤدى بطريق غير مباشر الى وجود ما يسمى بإستراتيجية الإسقاط من الداخل , وتحدث نتيجة سعي الدول الخارجية إلى تحقيق مصالحها عن طريق غير مباشر عبر أدوات الدولة مستغلة طبيعة الظروف القائمة والمحيطة بالشعب. وينقسم هذا النوع من الأزمات بدوره الى نوعين هما :
1. أزمات ذات طابع عدائي: مثل أعمال العنف أو الإرهاب أو التخريب.
2. أزمات ذات طابع غير عدائي: مثل الكوارث الطبيعية التي تصيب البلد ( كالفيضانات والأعاصير والزلازل ……).
ثانيا أزمات خارجية :
وهي الأزمات الناتجة عن سعي دولة ما الى إحداث تغيير حاد ومفاجئ في الوضع الدولى الراهن، مما يشكل تهديدا للأمن القومي لدولة أخرى يمكن أن ينتج عنه ردود أفعال قد تؤدي الى حدوث صراع مسلح .
ثالثا أزمات الصراع المسلح والإرهاب الدولي:
أزمات الصراع المسلح تنشأ أثناء الحرب , وتكون ناتجة عن التغيرات السريعة أو الحادة في موقف أحد الجانبين , ومن أمثله ذلك دخول أو خروج طرف جديد في الصراع المسلح، أو استخدام أسلحة جديدة ومتطورة ذات فاعلية عالية ولم تكن تستخدم من قبل .
أما أزمات الإرهاب الدولى، فهي تلك الأزمة الناتجة عن ممارسة الجماعات السياسية والحكومات للتأثير على خصومها لتحقيق أهداف سياسية كبديل للحرب التقليدية، إذ إنها أكثر حركة وأكثر قوة , ويشكل أثر الإرهاب أزمة فعلية حيث تتمكن المجموعات الإرهابية من المساومة على القيم السياسية والمادية للمجتمعات والتأثير على مصالحها القومية .
أنواع الأزمات من حيث المصدر :
1. أزمات طبيعية : وهي تلك الأزمات الناتجة عن الكوارث الطبيعية وهي أكثر الأزمات شيوعاً وأكثرها خطرا على الإنسان لكونها خارجة عن إرادته. وتتسم بالفجائية والعمق والشدة إضافة الى كونها ذات زمن حدوث عشوائي .
2. أزمات صناعية : مثل حوادث التسرب الإشعاعي أو الكيماوي وتتسم بتأثيراتها المادية والمعنوية القوية وصعوبة السيطرة عليها واتساع مجالها.
إدارة الأزمات Crisis Management:
أوردت الموسوعة الإدارية تعريفاً لإدارة الأزمات بأنها “المحافظة على أصول وممتلكات المنظمة وعلى قدرتها على تحقيق الإيرادات وكذلك المحافظة على الأفراد والعاملين بها ضد المخاطر المختلفة، وتشمل مهمة المديرين المسئولين عن هذا النشاط البحث عن المخاطر المحتملة ومحاولة تجنبها أو تخفيف أثرها على المنظمة وذلك في حال عدم تمكنهم من تجنّبها بالكامل والأفضل هو نقل احتمال تعرض المنظمة للمخاطر إلى جهة متخصصة في ذلك مثل شركات التأمين.
أما عليوه فعرّفها بأنها “تعني بالأساس كيفية التغلب على الأزمات بالأدوات العلمية والإدارية المختلفة وتجنب سلبياتها والاستفادة من ايجابياتها فعلم إدارة الأزمات هو علم إدارة التوازنات والتكيف مع المتغيرات المختلفة وبحث أثارها في كافة المجالات.
وعرفها أبو قحف بقوله ” إنها عملية الإعداد والتقدير المنظم والمنتظم للمشكلات الداخلية والخارجية التي تهدد بدرجة خطيرة سمعة المنظمة وبقاءها في السوق. وعرّفتها منى شريف بأنها العملية الإدارية المستمرة التي تهتم بالأزمات المحتملة وإعداد الموارد للتعامل مع الأزمات بكفاءة وفاعلية ودراسة أسباب الأزمة لاستخلاص النتائج لمنع حدوثها أو تحسين طرق التعامل معها مستقبلاً.
من خلال استعراض المفاهيم المختلفة لإدارة الأزمات نرى أنها تنطوي على عملية تحديد وتنبؤ المخاطر المحتملة , ثم إعداد الخطط لمواجهة هذه المخاطر لمجابهتها وتقليل خسائرها بأقصى درجة ممكنة ثم تقييم القرارات والحلول الموضوعة.
التخطيط لإدارة الأزمات :
هي تلك العملية المنظمة والمستمرة التي تهدف الى تحقيق أقصى كفاءة ممكنة في توجيه الإمكانيات والموارد المتاحة، للتعامل الفعال مع الأزمات المحتملة ومواجهتها في جميع مراحلها، مع الاستعداد لمواجهة المواقف الطارئة غير المخططة التي قد تصاحب الأزمة، والتخفيف من آثارها ثم توجيهها لتحقيق المصالح القومية .
فالتخطيط هو العامل الأساسي لنجاح عملية إدارة الأزمات حيث يساهم التخطيط الجيد في منع حدوث أزمة وتلافى عنصر المفاجآت المصاحب لها. ويتيح التخطيط لفريق العمل بإدارة الأزمات القدرة على إجراء رد فعل منظم وفعال لمواجهة وإدارة الأزمة بكفاءة عالية .
ويجب أن يعتمد التخطيط على :
1. خلفية تاريخية عن الأزمة وبيانات تاريخية عن أزمات مماثلة .
2. أهداف المصالح المشتركة في الأزمة ومدى شرعيتها وتأثيرها على المصلحة العامة.
3. إمكانية وقدرات الأطراف ومدى فاعليتها لتحقيق الهدف .
4. السمات الشخصية والاتجاهات لقادة وقيادات الأطراف .
وتعتمد إدارة الأزمات على شقين رئيسيين هما:
1. حصر العداءات المحتملة والعوامل التي تساعد على نشوبها والحصر التاريخي للأزمات والعوامل المسببة لها والدروس المستفادة منها .
2. تعظيم القدرات لمجابهة الأزمات .
وترتبط الإدارة الجيدة للأزمات بقدرة المجتمع على إدارة الأزمة أو إيجاد وسيلة لتفاعله الإيجابي معها. ويختلف أسلوب وأدوات إدارة الأزمة طبقا لطبيعة المرحلة التي تمر بها الأزمة .
مراحل الأزمة : تمر معظم الأزمات بخمس مراحل فى العادة و هي : مرحلة اكتشاف مؤشرات الإنذار المبكر، ومرحلة الاستعداد والوقاية، ومرحلة احتواء الأضرار والحد منها، ومرحلة استعادة النشاط، ومرحلة التعلم
أولا : مرحلة اكتشاف مؤشرات الإنذار المبكر :
1. إنشاء أساليب اكتشاف إشارات الإنذار للأزمات المحتملة . 2. إنشاء مركز تلقي ومتابعة إشارات الإنذار المبكر .
3. تكوين فريق داخلي لاختبار الإجراءات المتبعة . 4. تحفيز المبادرة الشعبية من جانب الجماهير لمكتشفي إشارات الإنذار .
5. وصف الوظائف الرسمية المستخدمة في هذا النظام . 6. وضع هيكل للتقارير التي سيستخدمها مركز إدارة الأزمات .
ثانيا : مرحلة الاستعداد والوقاية :
1. فحص الأزمات .
2. فحص اعتيادي دوري وصيانة المعدات المستخدمة في المواجهة .
3. وضع إرشادات فنية رسمية وإجراءات استخدام أدوات إدارة الأزمات من حيث تحليل المخاطر وتحديد درجات شدتها ومداها بطريقة هيكلية .
ثالثا: مرحلة احتواء الأضرار :
1. الحصول على المعلومة اللازمة . 2. تحديث القدرات البشرية لاحتواء الأزمة .
3. اختبار الإجراءات المتبعة من خلال التنفيذ الدقيق لها . 4. تقييم وتقدير القائمين على احتواء الأزمة .
رابعا : مرحلة استعادة النشاط :
1. تحديد المستوى الأدنى من المهام ، و الخدمات، والمنتجات المطلوبة لمزاولة الأعمال كما كانت عليها قبل الأزمة .
2. تحديد الأطراف المعنية بمرحلة استعادة نشاط المنظمة أو المؤسسة .
3. تحديد وسائل استعادة الثقة بالنفس .
4. تحديد أهم الأعمال الأساسية المطلوبة لاستعادة النشاط .
5. تدبير الموارد اللازمة لاستعادة النشاط بدرجة الثقة المطلوبة .
خامسا : مرحلة التعلم :
1. مراجعة الأزمات السابقة ومقارنتها بالأزمة الأخيرة .
2. تصنيف الإجراءات والأعمال التي تم تنفيذها طبقا لجودتها .
3. مراجعة وتحديث أسلوب إدارة الأزمات من واقع الأزمة الأخيرة .
4. إتباع أسلوب العصف الذهني مع فريق مراجعة الأزمات بغرض تحديد وعرض الدروس المستفادة بصورة رسمية .
من خلال الشكل السابق يتبين لنا الفرق الشاسع ما بين الإدارة السبّاقة المبادرة والمعتمدة على التخطيط المسبق قبل حدوث الأزمات والإدارة التي تنتظر وقوع الأزمات لتتعامل معها بمنطق رد الفعل كحال الإدارات العربية. فغياب عنصري اكتشاف إشارات الإنذار والاستعداد والوقاية يكاد يكون المسيطر على واقع المنظمات كما سوف يتضح لاحقًا من خلال الدراسات المتخصصة.
متطلبات إدارة الأزمات :أورد الباحثون في إدارة الأزمات عدة متطلبات منها:
سجل الأزمات CRISIS PORTFOLIO
يقول الحملاوي أنه لابد من وجود سجل للأزمات توثق به المنظمات كل المواقف التي تعتبرها أزمات من شانها تهديد كيان المنظمة ويكون بمثابة ذاكرة للمنظمة History Record
فريق إدارة الأزمات CRISIS TEAM
تكوين فريق لإدارة الأزمات يكون كما يقول الحملاوي تمثيلاً لأعلى سلطة لأن الأزمة تتطلب ردود أفعال غير تقليدية مقيدة بضيق الوقت وضغوط الموقف. هذا وتعتبر طريقة فرق العمل كما أوضح الوكيل من أكثر الطرق شيوعاً واستخداماً للتعامل مع الأزمات وتتطلب وجود أكثر من خبير ومختص وفني في مجالات مختلفة وحساب كل عامل بدقة وتحديد التصرف المطلوب بسرعة وتناسق وعدم ترك الأمور للصدفة.
والجدير بالذكر أنه في دراسة لجبر بعنوان إدارة الأزمات نظرة مقارنة بين النموذج الإسلامي والنموذج الياباني أوضح جبر “إن المفهوم الياباني في معالجة الأزمة يقوم على أساس أن الأشخاص الأقربون للأزمة هم الأقدر على حلها أو توفير الحل المناسب لها وعليه نرى معظم الشركات اليابانية تتجه نحو اللامركزية في عملية اتخاذ القرارات. كما أن الشركات اليابانية تفضّل دائمًا استخدام الاجتماعات كوسيلة لحل الأزمات ويطلق على هذا النوع من هذه الاجتماعات بحلقات الجودة اليابانية والتي تعتبر بدورها واحدة من المهام المستخدمة في تحديد الأزمات والمشاكل وكيفية تحليلها. لذا نرى أهمية تبني المنظمات لعملية اللامركزية عند تكوينها لفرق إدارة الأزمات.
التخطيط كمتطلب أساسيPLANNING
تبني التخطيط كمتطلب أساسي مهم في عملية إدارة الأزمات , يقول الحملاوي أفعالنا ما هي إلا رد فعل وشتّان ما بين رد الفعل العشوائي ورد الفعل المُـخطط له فمعظم الأزمات تتأزم لأنه أخطاء بشرية وإدارية وقعت بسبب غياب القاعدة التنظيمية للتخطيط ويستطرد الحملاوي قائلاً إن لم يكن لدينا خطط لمواجهة الأزمات فإن الأزمات سوف تنهي نفسها بالطريقة التي تريدها هي لا بالطريقة التي نريدها نحن.
من خلال ما تقدم يتضح لنا أن التدريب على التخطيط للأزمات يُـعد من المسلّمات الأساسية في المنظمات الناجحة فهو يساهم في منع حدوث الأزمة أو التخفيف من آثارها وتلافى عنصر المفاجآت المصاحب لها. أيضًا يتبين لنا أن التخطيط يتيح لفريق عمل إدارة الأزمات القدرة على إجراء رد فعل منظم وفعّال لمواجهة الأزمة بكفاءة عالية الاستعداد لمواجهة المواقف الطارئة غير المخطط لها التي قد تصاحب الأزمة وفي ذلك أوضحت دراسة جبر التجربة اليابانية في هذا الشأن.
أشار جبر في دراسته إدارة الأزمات: نظرة مقارنة بين النموذج الإسلامي والنموذج الياباني إلى كيفية معالجة الأزمات وفق نظام كانبانKANPANالياباني. يوضح جبر ذلك بقوله “إن المفهوم الجوهري لنظام كانبان يقوم على أساس تحفيز الأزمة Stimulate the crisisوخلقها لكي يبقى الإداريون والعمّال دائمًا في حالة التأهب جاهزين لعمل ما بوسعهم سواء أكانت هناك أزمة حقيقية أم لا, أي أنهم مستعدون على قدم وساق ومفعمين بالنشاط والحيوية لمواجهة الاحتمالات غير المرغوبة. فقد تدرب المدراء على تخيل أسوأ أنواع الاحتمالات مثل تذبذب المبيعات, وانقطاع التجهيز بالمواد الأولية, إضراب العمال والحرائق …………………………….وغيره من الأمور الاخرى.
ويستطرد جبر قائلاً ” وهذا النوع من الأزمات قد يرتبط أو لا يرتبط بتهديد حقيقي, حيث يُـلاحظ أن رد الفعل المتولد عن تحفيز الأزمة ما هو إلا رد فعل إيجابي ونادرًا ما يؤدي إلى مخاوف تؤثر على الإنتاج أو تقلل الرغبة في العمل لدى العاملين..
أيضًا في دراسة لدقامسة والأعرجي إدارة الأزمات: دراسة ميدانية لمدى توافر عناصر نظام إدارة الأزمات من وجهة نظر العاملين في الوظائف الإشرافية في أمانة عمّان الكبرى كشفت الدراسة عن “وجود خلل في نظام إدارة الأزمات في أمانة عمّان الكبرى, حيث وُجد هناك تباينًا في درجة توافر العناصر الأساسية التي تتصف بها الإدارة الناجحة للأزمات في مراحل النظام الخمس التي تمثل المنظور المتكامل لإدارة الأزمات وكانت توفر هذه العناصر بدرجة أعلى في المراحل التنفيذية والعلاجية (احتواء الأضرار واستعادة النشاط) منها في المراحل الوقائية والتخطيطية (الاستعداد والوقاية واكتشاف الإشارات)، مما يعني أن جهود إدارة الأزمات في أمانة عمّان الكبرى هي جهود علاجية ورد فعل في معظم الأحيان لما يحدث من أزمات مختلفة وبدرجة أكبر من كونها جهودًا وقائية واستعداديه لما يمكن حدوثه من الأزمات.
وعزى دقامسة والأعرجي وجود هذا الخلل في هذه المنظمة ومعظم المنظمات العربية إلى الثقافة السائدة بأن إدارة الأزمات هي مجابهة الأزمة عند حدوثها وليس الاستعداد لها قبل حدوثها وبالتالي اندفاع الجميع للحل أثناء الأزمة على طريقة “نظام الفزعات” بحسب تعبير الباحثان.
بعد استعراض ما تقدم نجد الاستنتاج الذي توصلا له بخصوص غياب التخطيط والوقائية يجسد الواقع المقلق لدى معظم منظمات العالم العربي فلا وجود للفكر التنبؤي كما في الشركات اليابانية الذي يصيغ منظومة وقائية معتمدًا على الابتكار والحلول الجذرية ومستخدمًا الطرق العلمية كالسيناريو والمحاكاة ويكون هدفه تجاوز الأزمة أو التقليل من أخطارها على اقل تقدير.
وسائل علمية للتعامل مثل المحاكاة والسيناريو
إن إستخدام وسائل علمية في التعامل مع الأزمات مثل المحاكاة والسيناريو تعتبر من أفضل الوسائل العلمية الحديثة والتى بالفعل تم تجربتها من خلال المختصين فى العديد من المجالات. فالسيناريو كما عرّفه حواش هو مجموعة من الافتراضات المتعلقة بالموقف في مجال محدد يقوم فيه النظام بتحليله ودراسته مما يساعد على وضع تصورات للأزمة وإيجاد بدائل عديدة للحلول الموضوعة.
من خلال ما تقدم يتضح لنا أهمية السيناريو وكما أتضح لنا من دراسة جبر استخدام الشركات اليابانية للسيناريو من خلال تدريب موظفيها على تخيل أسوأ المواقف وهو ما يُـعرف بأسوأ سيناريو المحاكاة .worst case scenariovirtual realityوهي تقليد لظاهرة ما بهدف التفسير والتنبؤ بسلوكها أو هي أسلوب كمي يهدف إلى وصف النظام الحقيقي من خلال تطوير النموذج الذي يوضح كيف تتداخل العوامل المؤثرة في المشكلة وما هو تأثير تلك العوامل مع التركيز على الكيفية التي يمكن بها أن يقلد هذا النموذج حركة النظام الحقيقي, فيما يتعلق بأهمية عنصر المحاكاة كمتطلب أساسي فعّال في إدارة الأزمات سوف يتضح لنا لاحقًا مدى فعاليته في التجربة الماليزية مع كوارث الحج وأثره في التقليص في عدد وفيات الحجاج الماليزيين.
نظام اتصالات داخلي وخارجي
من الهام جدا وجود نظام اتصالات داخلي وخارجي فعّال يساعد على توافر المعلومات والإنذارات في وقت مبكر. حيث ورد في مقال بعنوان مواجهة الأزمات والكوارث باستخدام نظم المعلومات الآتي ” والجدير بالذكر أنه قد انتشرت تكنولوجيا نظم المعلومات الجغرافية انتشارًا واسعًا وسريعًا على المستوى العالمي، خاصة في الدول المتقدمة خلال السنوات القليلة السابقة، كإحدى الوسائل الهامة المستخدمة في دعم اتخاذ القرار في المجالات المختلفة.
فعلى سبيل المثال يمكن الاستفادة من جميع هذه الجهود والإمكانيات في بناء نظام معلومات متكامل للإنذار المبكر والتنبؤ بمخاطر السيول والأعاصير ، حيث تعتبر السيول والأعاصير وما يترتب عنها من أخطار فى البنية التحتية من أهم مشاكل البيئة الطبيعية وخاصة في الصحارى بصفة خاصة”.
تعقيبًا على المقال نرى أنه في الوقت الذي يتحدث فيه العلماء عن دور نظم المعلومات الجغرافية في التقليل من كوارث السيول عن طريق تنبئها بأحوال الطقس وبالتالي تفادي الكوارث الطبيعية لدى المنظمات وعن وجود مراكز التنبؤ والإنذار التابعة للمنظمات ووجود نظام الاتصالات السلكية واللاسلكية الواسع النطاق الذي يسمح لجميع المنظمات بتبادل البيانات والمعلومات من الأرصاد الجوية والذي يضمن التأهب ونشر التوقعات والإنذارات في توقيت مناسب لتفادي الأزمات, في هذا الوقت نفسه تطالعنا صحيفة الوطن في عددها رقم 2019 يوم 10 أبريل 2006 عن وفاة خمسة من المواطنين وعمال في شركة اسمنت تهامة من جراء السيول التي اجتاحت المنطقة وأدت إلى قطع التيار الكهربائي وشبكات الاتصال الهاتفي سواء الثابت أو الجوال وتعطيل أجهزة الصرافة الآلية وانهيار العديد من الطرق وسقوط عدد من أعمدة الكهرباء و إجتراف مزارع وأغنام في عدد من القرى والمحافظات. هذه السيول سنوية ولا وجود لعنصر المفاجأة بها إلا إننا لا نحرك ساكناً إلا عند حدوث الأزمة مما يعني غياب تطبيق التخطيط العلمي وغياب إخضاع الأزمة للمنهجية العلمية تمامًا.
أضف إلى ذلك التجربة اليابانية في النجاح والتغلب على أقسى أنواع الكوارث الطبيعية وهي الزلازل حيث ثبت فعالية وأهمية إدارة الأزمات والكوارث. فاليابان تتغلب على الزلازل ونحن نعاني من سيول خطورتها ليست أخطر من الزلازل وبالتالي تعزيز الفجوة العلمية بيننا وبين الدول المتقدمة فلا مكان للتخطيط العلمي لإدارة الأزمات والكوارث في العالم العربي ولا مجال لإخضاع الأزمات للمنهجية العلمية أيضًا. أيضاً تطالعنا الصحف بعد كل فترة عن وفاة موظفين في إحدى الشركات الصناعية بسبب تسرب غازات سامة مما يدل على غياب تبني إدارة الأزمات كخيار استراتيجي.
التنبؤ الوقائي
يجب علينا تبني مبدأ التنبؤ الوقائي كمتطلب أساسي في عملية إدارة الأزمات من خلال إدارة سبّاقة وهي الإدارة المعتمدة على الفكر التنبؤي الإنذاري لتفادي حدوث أزمة مبكراً عن طريق صياغة منظومة وقائية مقبولة تعتمد على المبادأة والابتكار وتدريب العاملين عليها.
في دراسة للأعرجي بعنوان إدارة الأزمات بين (الوقائية والعلاجية):
دراسة مسحية في المصارف الأردنية ثبت صحة فرضية هذه الدراسة القائلة بأن طبيعة ومستويات الجاهزية في المنظمة تجاه الأزمات تتناسب طرديًا مع واقع الاتجاهات الوقائية أو العلاجية لدى العاملين في تلك المنظمة. ففي هذه الدراسة أثبت الأعرجي التناسب الطردي بين الحل الوقائي للأزمات والقدرة على مواجهة الأزمات بمستوى جاهزية عال. أيضًا كانت من توصيات الدراسة الحاجة لبلورة وتنفيذ برامج توعوية وقائية وعلاجية وتدريب للعاملين في المصارف في مجال إدارة الأزمات على هذه البرامج. مثال ذلك مشكلة الجراد الأخيرة وأثره التدميري إنما يعكس تفادي الفكر التنبؤي تمامًا لدى المتعاملين والمتخصصين في المجال الزراعي ولو تطور الأمر بنفس الفكر المتعامل معه فسوف يصبح أزمة موسمية مثل أزمة رمي جمرات الحج.
أيضًا أشارا دقامسة والأعرجي في دراستهما إدارة الأزمات:
دراسة ميدانية لمدى توافر عناصر نظام إدارة الأزمات من وجهة نظر العاملين في الوظائف الإشرافية في أمانة عمّان الكبرى إلى أن النجاح في عملية إدارة الأزمات يتطلب عدة عوامل منها:
1.إيجاد وتطوير نظام إداري مختص يمكّن المنظمة من التعرف على المشكلات وتحليلها ووضع الحلول لها بالتنسيق مع الكفاءات المختصة.
2.العمل على جعل التخطيط للأزمات جزءًا هامًا من التخطيط الاستراتيجي.
3.ضرورة عقد البرامج التدريبية وورش العمل للموظفين في مجال إدارة الأزمات.
4.ضرورة التقييم والمراجعة الدورية لخطط إدارة الأزمات واختبارها تحت ظروف مشابهة لحالات الأزمات ( طريقة المحاكاة) وبالتالي يتعلم الأفراد العمل تحت الضغوط.
5.التأكيد على أهمية وجود نظام فعّال للإنذار المبكر.
والجدير بالذكر أن الدراسات الثلاث المُستشهد بها في هذه الورقة اشتركت في توصية وهي ضرورة عقد البرامج التدريبية وورش العمل للموظفين في مجال إدارة الأزمات.
أساليب حل الأزمات والتعامل معها:
هناك نوعان من أساليب حل الأزمات الأول منها معروف و متداول، ويطلق عليه بالطرق التقليدية وتشتمل على (إنكار الأزمة ،و كبت الأزمة,و إخماد الأزمة, وبخس الأزمة, وتنفيس الأزمة, وتفريغ الأزمة ومراحله المختلفة, وعزل قوى الأزمة)
أما الثاني عبارة عن طرق لا تزال معظمها قيد التجربة ويطلق عليها بالطرق غير التقليدية وتشتمل على (طريقة فرق العمل, وطريقة الاحتياطي التعبوي للتعامل مع الأزمات , وطريقة المشاركة الديمقراطية للتعامل مع الأزمات, وطريقة الاحتواء, وطريقة تصعيد الأزمة, وطريقة تفريغ الأزمة من مضمونها, وطريقة تفتيت الأزمات, وطريقة تدمير الأزمة ذاتيا وتفجيرها من الداخل, وطريقة الوفرة الوهمية,و احتواء وتحويل مسار الأزمة) ,وأيضا كيفية مواجهة الأزمات والكوارث باستخدام نظم المعلومات , ونظم دعم اتخاذ القرار Decision Support Systems,,كل هذا سوف نوردها ان شاء الله فى العدد القادم ان كان لنا فى العمر بقية … والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .