لكاتبة: الأستاذة جواهر بنت محمد مهدى
مستشار مدير عام التربية والتعليم للبنات بجدة
ازدحم الفضاء بشهب التقانة وتسارعت أفلاكها مختزلةً الأوقات والأبعاد، محطمة الحدود والقيود.
وتناهت غاياتها ومراميها واستعصت إلا على من يملك رأس مال المعرفة ويسيطر على ثروات العلم؛ علَّه يشقُّ طريقًا أو يرصف معبرًا يعرج به في سماوات التقانة، أو يخضع به شيئًا من أدواتها، أو يفيد من جذرية تحولاتها وتعدد مجالاتها التي لا تكاد تستقر أو تسكن على حال واحدة.
إنَّ التطورات الهائلة لتقنية الاتصال والنمو خرافي الاضطراد لحجم المعلومات أحدث تبدلات عديدة في مختلف ميادين الحياة اليومية، وتسبب في تغييرات جذرية اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية، وغزا ميزانيات الدول الكبرى حتى بذلت لتيسير الحراك المعلوماتي مئات المليارات من الدولارات بهدف تسيير البيانات للحصول على المعلومات والمعرفة المقصودة، ثم اختبار هذه المعرفة وتسويقها لتوفير الخدمات عبرها للمستهلكين عبر العالم.
ولا مبالغة في الكلَمِ إنْ قيل بأنَّ المعلومات هي الأساس في انقسام الدول في عالمنا المعاصر إلى فئتين: دول متقدمة وأخرى تسعى للتقدم … كما أنَّ التغير الذي نال المجتمعات ليحولها من مجتمعات صناعية إلى مجتمعات معرفيَّة نجمَ عنه تغير العديد من القيم والمفهومات والصيغ والتوجهات … ما دعا المهتمين والمعنيين في العالم إلى العمل الدؤوب الجاد في إعداد مجتمعاتهم وغرس فسائل المعرفة وبذور العلم في حقولهم وميادينهم جمعاء، ورفدهم بمفاتح المهارات ودعمهم بسلالم القدرات وحفزهم إلى ترقي مصاعد الكفايات ليتواءم الأفراد مع متطلبات عصرهم وتتلاءم أدوارهم مع الوظائف التي تفتقت عنها أقنية التقانة الحديثة.
ومن الأكيد الذي لا يقبل المراء أنَّ حقل التربية والتعليم هو أعظم حقول المجتمع وأوسعها دورًا وأشملها وظيفة … هو الحقل الذي يستوعب الحقول كافَّة يتفاعل بها ومعها في علاقة منظومية وتناغم وظيفي … ولما كانت هذه من سماته فإنَّ طبيعة العصر الذي نحياه بثورة اتصالاته وتقارب عوالمه وتلاطم معارفه ومعلوماته قد انسحب أثره – بلا شك – على ذاك الحقل ليظهر في ساحاته علم التعليم Science Of Instruction )) ومجال تقنية التعليم مؤكِّدَيْن إمكانية تطوير الممارسات التعليمية والمهارات التعلُّمية.
وعلى الرغم من تنوع المستحدثات التقنية واختلاف أغراضها إلا أنها تشترك جميعًا في مجموعة من الخصائص هي:
1. التفاعلية :التي توفر بيئة اتصال ثنائية بين المتعلم والمادة التعليمية تمكنه من التحكم في معدل عرضها بما يناسب قدرته الذاتية على التعلم ومن أمثلتها في تحقيق هذه الخاصية : الفيديو التفاعلي (Interactive Video) والوسائط المتعددة الفاعلية (Interactive Multimedia)ومنها النصوص الفائقةHypertexts ) ).
2. التنوع :الذي يتيح العديد من المثيرات التي تخاطب الحواس المختلفة للمتعلم في الموقف الواحد ومن أمثلتها في تحقيق هذه الخاصية الوسائط التعليمية المتعددة وتكنولوجيا الواقع الافتراضيVirtual Reality )).
3. الكونية:التي تحقق للمتعلم فرصة الانفتاح على مصادر المعلومات جميعها في العالم كله من خلال الاتصال بشبكة المعلومات الدولية (Internet) ومن أمثلتها في تحقيق هذه الخاصية، نظام التعليم من بعد (Distance Learning)، ومؤتمرات الفيديو(Video Conferencing)
4. التكاملية:وتحقق المستحدثات التقنية هذه الخاصية من خلال تأكيد الربط بين مكونات كل مستحدث في نظام متكامل وفي إطار متزامن، ومن أمثلة المستحدثات التقنية التي تحقق هذه الخاصية نظام الوسائط المتعددة ( Multimedia).
5. الفردية:حيث توفر المستحدثات التقنية مواقف تعليمية تتناسب مع التنوع في خصائص المتعلمين؛ أي أنها تعتمد على ما يُعرف بالتعلم الذاتي، ومن أمثلتها فيما يحقق هذه الخاصية: التعليم بوساطة الحاسب (Computer Assisted Instruction)، ونظام التعليم بالوحدات التعليمية الصغيرة ( ( Modules.
ولَمَّا كانت المستحدثات التقنية بخصائصها المميزة لها أرفع وسيلة لنشر وتبادل المعلومات واستيرادها وتصديرها كان حتمًا على ذوي الحكمة إدراك خصائصها الأساسية والتعامل معها بفهم ودراية حتى لا يسيطر منها المشوَّش وغير الواضح وغير المنطقي وغير الدقيق وغير الشامل والذي لا يُقاس عليه والذي تسوده الذاتية والتميُّز…
وحتى لا يغرق الجيل في المعلومات التي تتَّسم بالعشوائية وعدم الترابط ويتضوَّر جوعًا إلى المعرفة المنظمة التراكمية ذات المغزى والهدف؛ لكون المعرفة تنشأ عن تقطير البيانات والمعلومات أو ترشيحهما وتحقيق التكامل فيما بينها لتكوين المفهومات والقواعد… وأيًّا كان شأن المعلومات والمعارف فإنَّ العالم الذي يسعى للتقدم المادي والحضاري لا بُدَّ له أن يعي كيفية مواجهة الإعصار المعلوماتي ومحاولة كبح جماح الوارد منها لتتشكل منه معرفة مستقيمة ينتفع بها الجيل وتكون منطلقًا لتحقيق ما ينشده من تقدم وازدهار ولن يكون ذلك إلا بتمكينه من امتلاك المهارات الضرورية اللازمة للنجاح في ارتياد العصر المعرفي …
وقد أوضحت إدارة العمل الأمريكية (u.s.dept.of the labor) المهارات السبع الأساسية التي تمثِّل محصلة ما يحتاجه الفرد للنجاح في عصر المعرفة والمعلومات وهي:
1. التفكير الناقد والفعل:( Critical Thinking & Doing)، بما يكسب القدرة على حل المشكلات واستخدام أدوات البحث والتحليل وإدارة المشروعات بانسيابية .
2. الإبداع :(Creativity) بما يخلق معرفة جديدة متلائمة وتصميم حلول إبداعية وابتكار منتجات فكرية رائعة.
3. التعاون :((Collaborationبما يُمَكِّنُ من حلِّ المشكلات المعقدة، وتكوين مهارات تعين على العمل الجماعي الذي يعد صُلب العمل في عصر المعرفة والمعلومات.
4. فهم التداخلات الثقافية:Cross Culture Understanding)) وامتلاك مهارات التعامل مع هذه الثقافات المتداخلة يُشكِّل عامل نجاح لاجتياز حواجز الاختلاف الثقافي والمعرفي والأخلاقي والسياسي وتأدية الأعمال بكفاءة وحرفية في ظل تنامي الاقتصاد العالمي وزيادة التخصصية الفنية.
5. الاتصالCommunicationالفعال الذي يعين المشتغلين بالمعرفة والمعلومات على اختيار وسيلة الاتصال المناسبة لإبلاغ الرسالة بموضوعية وكفاءة لاسيما في ظل التنوع المتنامي لوسائل الاتصال التقنية من (تقارير مطبوعة، وثائق إليكترونية، مقالات، مجلات، كتب، شبكة معلومات، بريد ضوئي…)
6. استخدام الحاسب الرقميComputingليس في حدود تخطي الجهل الحاسوبي وإنما الانطلاق والتعرف إلى المستويات الرفيعة من الطلاقة الرقمية واستثمار أدوات الحاسب ووصلاته لإنجاح إنجاز المهام العملية والعلمية.
7. الاحترافية (المهنية)والتعلم الذاتي المستقل Career Learning Self-Relianceبما يعين عمال المعرفة لإدارة مستقبلهم المهني وتزويد أنفسهم بالمهارات المطلوبة ليتحقق لهم النجاح في الحياة بإذن الله تعالى.
ولا يمكن للمدارس تأدية دورها الحق في تأهيل المتعلمين للانخراط والتعامل مع المجتمع المعرفي إلا إن طورت أهدافها وجدَّدت طرائقها وأساليب تعلمها وتقويمها وأدركت أهمية التعليم وضرورته للإسهام في بناء المجتمعات والتوافق مع مستجدات عصر المعرفة والتناغم مع العلاقات المتداخلة بين المجالات المتعددة (الاقتصادية، والمعلوماتية، والتقنية والسياسية والاجتماعية…)
وتأكيدًا لوعيها بأهمية التعليم في تشييد المجتمعات يلزم المدارس أن ترتقي بأهدافها بما يعمل على تنمية القدرات والمواهب العقلية من خلال توفير الأدوات المعرفية بشكلٍ متساوٍ لأفرادها جميعًا؛ لئلا يزداد عمق الهوَّة بين أفرادٍ ثريِّي المعرفة وآخرين تحت خطِّ الفقر فيها.
والمدارس لن تتمكَّن من حجب مصادر المعرفة من أن ينال منها المتعلمون وينهلوا من ينابيعها المختلفة في هذا العصر الذي أصبحت المعلومات مادته الخام وتجارته الرابحة التي سادت أسواق المعرفة وغزت سبلها وفجاجها، وتنوعت واختلطت وتزاحمت بغثِّها وسمينها، وسيطرت لغة التقنية عليها؛ لذلك فإنَّ على المدارس توجيه دفَّة اهتمامها بما يعين أفراد المتعلمين على الإبحار في محيط العلم والسير بهم في أسواق العمل بإكسابهم (مهارات الابتكار والإبداع، ومهارات حل المشكلات، ومهارات اتخاذ القرار، ومهارات العمل الجماعي، وتطوير القدرات، ومهارات إدارة المعلومات وتنميتها، ومهارات معرفة تقنية المعلومات، مهارات المرئيات، ومهارات الذكاء العملي…)
وعليها كذلك -أي المدارس- الإفادة من مجالات علم النفس المعرفي ونظريات التعلم في إكساب المهارات المعرفية. خاصَّة ما أشارت إليه نظرية التعلُّم الحديثة من أنَّ التعلُّم يتأثَّر بالسياق والبناء والحرص والقدرة والمشاركة الاجتماعية في توافق محمود بين هذه النظرية ومتطلبات العصر المعرفي فتنويع السياقات وإثراء بيئة التعلُّم يمكِّن من الانخراط في السياقات العالمية إنْ أُحسن بناء مهارات التفوق في حل المشكلات الحقيقية للعالم والاختبار، والتفكير الناقد في عصر المعرفة والمعلومات. والتعرف إلى نظم البناء العقلي ومفاتح التعامل مع الخبرات المختلفة من النشاطات الحيوية التي تعمل على تكوين نظام البناء العقلي الذي يتيح له صقل المعرفة وتوسيعها واستخدامها.
والحرص لإتمام المشروعات الخاصة عند المتعلمين الذي تولّده الدافعية الذاتية لديهم يعكس القوة الدافعية الذاتية عن الخارجية في عمليتي التعلم والفهم ويؤجج القدرات العقلية المتنوعة في استحداث الحلول الإبداعية للمشكلات؛ ما يشجع طرق التعليم المتعدِّدة وطرق الفهم والتعبير…مع تأكيد وظيفة التفاوض وتبادل الخبرة والمعرفة والمشاركة الاجتماعية التي تجاوزت المجتمع المدرسي أو المحلي إلى المجتمع العالمي.
وبتغلُّب المدارس على ما يواجهها من تحديات في توفير المتطلبات التقنية التعليمية القائمة على الحواسيب الرقمية من (أجهزة حواسيب وشبكات، وبريد رقمي، وفيديو تعليمي، ومواد معلوماتية أولية، وبيانات مرئية) إضافة إلى إدارة وتنظيم جيد للتقنيات الحديثة وحسن إدارة للمعرفة من (استنتاج وتحقق واستعلام) وجودة تنظيم لعملية تجهيز المعلومات ونشرها ودعمها…بتغلُّبها على كل ذلك وبتوفيرها متطلَّبات التقنية الرقميَّة في مناهجها ومواقفها التعليمية سوف تتمكن من الوصول للمخرجات المطلوبة المتوائمة مع عصر التقنية والرقمنة والمعلومات والمعرفة.
وفيما يلي البيان التوضيحي الذي يصف نتائج أداء نشاطات تقنية رقمية
النشاطات الرقمية المؤدَّاة |
وصف النتائج |
· بناء قواعد البيانات وتصميمها. · البيانات المرئية. · تحليل البيانات وإعدادها. |
üقيادة الفهم، وإقامة علاقات وثيقة بين البيانات المعقَّدة لاتخاذ القرارات. |
· إدارة المعلومات وتأسيسها. · إنتاج مرئي |
|
· الأداء المعروض · التلخيص |
|
· المشروعات الجماعية · التعاون المرئي |
|
وبنظرة سريعة للنتائج الموصوفة أعلاه يلاحظ المنصف جدوى بذل الجهد وصرف الوقت وإعمال الفكر لتطبيقها ونقلها من حيز القائمة المكتوبة إلى الواقع الذي نأمل أن يكون قريبًا ليستطيع العالم الساعي للتقدم أن يرتقي صرح العالم الأول (عالم التقنية الرقمية والمعلوماتية والمعرفة التخليقية)