بقلم الأستاذ عثمان على عبود
طرق تحقيق تميز مستدام في الأعمال
في شهر فبراير الماضي في مدينة جدة، سنحت لي فرصة المشاركة في “المنتدى الدولي الأول لتميز الأعمال” في المملكة العربية السعودية، تحت رعاية المجلس السعودي للجودة.
وقد كان المنتدى ثري للغاية بمعلومات الجودة والتميز ونوقشت فيه العديد من المواضيع خلال جلسات المنتدى.
من بين المتحدثين الرئيسيين في المنتدى الدكتور تيتو كونتيTito Conti والبروفسور محمد زائيريMohamed ZAIRI ، حيث تحدث في الجلسة الأولى الدكتور تيتو، الذي هو الرئيس السابق للأكاديمية الدولية للجودة وأحد الرواد المشهورين في مجال الجودة وتميز الأعمال وقد كان من بين الأوائل الذين قاموا بوضع أساسيات ومفاهيم جائزة التميز (Excellence Award)والتى تديرها المؤسسة الأوروبية لإدارة الجودة (EFQM). وقد تحدث في الجلسة الثانية البروفسور زائيري وهو صاحب كرسي جوران JURANللجودة ورئيس المركز الأوروبي لإدارة أفضل الممارسات (BPM) ويعتبر أحد أفضل المساهمين في تنفيذ منهجية إدارة أفضل الممارسات (BPM).
وفي هذا الصدد أود أن أشارككم بعض ما تم تقديمه خلال المنتدى، وسوف أخصص هذا المقال للورقة التي قدمها الدكتور تيتو. أما المقال القادم فسوف نخصصه إن شاء الله للعرض الذي قدمه البروفسور زائيري.
لقد كان موضوع العرض الذي قدمه الدكتور تيتو حول (طرق تحقيق تميز مستدام في الأعمال).
بدأت الجلسة بتعريف منافسة الجودة وقد قدم الدكتور تيتو التعريف التالي:
منافسة الجودة تعني المنافسة المبنية على القيمة التي يدركها العملاء وفعالية الوقت/ التكلفة.
وقد ذهب الدكتور إلى التأكيد على أن عدد قليل فقط من المنافسين هم الذين سينجحون في الوصول إلى القمة – والبقاء هناك لفترة طويلة. ولكن أولئك الذين لا يجتهدون في البلوغ إلى القمة لديهم فرص أقل للبقاء في المدى الطويل. في الواقع ان المنافسة اصبحت أكثر صعوبة وكما ان بيئة الاعمال اصبحت أقل استقراراً.
إن عامل النجاح الرئيسي للوصول الى التميز وفقاً للدكتور تيتو هو الجودة التنظيمية، والذي تعتبر مصدراً لكل بل لجميع انواع الجودة و الصفات الخاصة ذات الصلة بالمنظمة (المنتجات ، الخدمات، العلاقات، المعلومات، الخ).
جودة التنظيم تعني الصلاحية لأغراض التنظيم وهذا يعني:
· القدرة على التعرف على الأشياء الصحيحة التي يجب القيام بها في بيئة متغيرة باستمرار، والقدرة على تحقيقها.
· وللقيام بذلك بطريقة ملائمة هناك حاجة إلى المهارات المناسبة، والكفاءات والموارد. ولكن القدرة لا تأتي فقط من مجرد وضع جميع المكونات والعناصر مع بعضها البعض، بل يجب أن يكون هنالك نظام، وهندسة تنظيمية متزامنة.
لقد أوضح الدكتور تيتو وأبرز العديد من القضايا المتعلقة بنماذج إدارة الجودة الشاملة والتميز أهمها:
أنه ينبغي أن يُنظر إلى نماذج إدارة الجودة الشاملة / التميز على أنها دليل على مدى صلاحية المنظمة لاغراضها، وأنها ليست نماذج للأغراض التنظيمية العامة، ولا نماذج للأعمال، بل هى نماذج تهدف إلى الإبقاء على المنظمة صالحة لأغراضها.
لقد أنشئت المنظمات لإنتاج قيمة لفئات محددة من المواضيع. يعبر النموذج (ادارة الجودة الشاملة/التميز) عن الأغراض والأهداف المستمدة من سياسات المنظمات والتي ينبغي أن تقود بعد ذلك إلى تحديد العميل وصاحب المصلحة بالإضافة إلى القيم التي يحتاج إليها الأخير.
من الناحية الأخرى ينبغي أن يساعد النموذج (ادارة الجودة الشاملة/التميز) أولاً على إنشاء الهندسة التنظيمية اللازمة لجعل المنظمة قادرة على تحقيق اغراضها، وثانياً المساعدة على ادارتها لخلق القيم المتوقعة.
وفيما يتعلق بالهندسة التنظيمية، يجب أن يساعد النموذج كبار المسؤولين التنفيذيين على تحديد اختياراتهم. ومن حيث التنظيم يمكن أن يتم ضبط النموذج نفسه حسب الطلب ليتناسب مع الخصائص المحددة للمنظمة.
وفيما يتعلق بالإدارة التشغيلية يجب أن يكون النموذج دليلاً فعالاً خلال جميع مراحل أنشطة توليد القيمة وفقاً لمنهجية دورة: التخطيط–العمل-الإختبار-اتخاذ القرار (PDCA):
· في مرحلة الخطة Planينبغي أن يساعد النموذج المدراء على فهم قيم المنظمة المطلوبة / والتوقعات، ويجب مناقشة النتيجة على ضوء مهارات المنظمة، الكفاءات، استراتيجيات تحديد الغايات، الأهداف والخطط، والتي بدورها تصبح منارات لتوجيه المرحلة المقبلة.
· في مرحلة العمل DOيجب توجيه المدراء تجاه الأهداف والغايات، حيث تبدأ النتائج المستمرة في الظهور، مع إجراء المقارنات بين النتائج والأهداف.
· مرحلة الاختبار Checkلها أهمية خاصة بالنسبة للتحسين حيث ينبغي استخدام التدقيق (التقييم الذاتي) بشكل منهجي.
· مرحلة اتخاذ القرار Act؛ وهي أيضا هامة لتوطيد التحسينات.
وعلى وجه العموم، فإن الاستخدام المنتظم لنماذج إدارة الجودة الشاملة / التميز في جميع مراحل الأنشطة يجب أن يجعل الإدارة على علم بأهمية فهم العلاقات المعقدة في كثير من الأحيان بين الإجراءات التي اتخذتها الإدارة وبين النتائج.
تحدث الدكتور تيتو أيضاً عن كيفية حقن نظام التفكير في نماذج إدارة الجودة الشاملة ووصف الأنواع المختلفة للأنظمة والتي تشمل:
1- الانظمة الالية (الميكنة) – العقل خارج النظام.
2- الأنظمة العضوية المتحركة – (البشر والحيوانات الراقية)، العقل هو جزء من النظام
3-. الأنظمة المتعددة العقول – (المنظمات الاجتماعية والثقافية)، يشتمل النظام على عقول متعددة. لا غنى للقيادة عن التركيز على الأهداف المشتركة وتوجيه العقول إليها.
لقد ركز الدكتور تيتو على النوع الثالث من الأنظمة (نماذج النظام الاجتماعي والثقافي أو النظام المتعدد العقول)، نسبةً لأنه يعتقد بأن هذا النوع من النماذجسوف يصبح الخيار الوحيد. إن عبارة “متعدد العقول” توضح لنا السبب: وحيث أن الأنظمة البشرية مكونة من العقول الحرة، والتى تقبل او ترفض الانضمام إلى قيم وأهداف المجموعة.
ولكن، حتى بين أولئك الذين يقبلون رسمياً هذه القيم والأهداف، فإن الدافع للمساهمة في أهداف المنظمة يمكن أن يختلف بدرجة كبيرة.
وهنا يأتي تحدي القيادة: أي جعل العقول الكثيرة تلتقي في نفس الاتجاه. هنا يبرز الجانب التعاوني لإدارة الجودة، وكذلك الحاجة إلى تعليم خاص حول إدارة الأنظمة المتعددة العقول.
“عندما يكون خفض التباين هو القضية الأساسية فإن الآلات تعتبر أفضل من الأشخاص، ولكن عندما يكون المطلوب عمل ذكي، فليس هناك خيار بديل للانسان”. وبهذه الكلمات الحكيمة علق الدكتور تيتو قائلاً:
إن الأشخاص وعلاقاتهم المتبادلة أي النظام الاجتماعي والثقافي للمنظمة في مجتمع قائم على المعرفة يعتبر من الأصول الرئيسية. بالتالي ينبغي تشكيل هوية المنظمة وثقافتها على شكل “وعاء جامع” يزدهر فيه التعلم التنظيمي والإبداع المنتشر (لتحقيق التحسين المستمر والابتكار).
في مثل هذا التنظيم يعتبر توليد القيمة هى اساس اللعبة، والقيمة الاساسية للعملاء وأصحاب المصلحة والمنظمة نفسها.
يمكن إعتبار النظام الاجتماعي والثقافي للمنظمة بمثابة تربة يتم فيها بذر المعرفة والتكنولوجيا. فإذا كانت التربة خصبة، فإن القيمة التنافسية للعملاء في شكل منتجات وخدمات ودعم يمكنها أن تنمو.
إن النظام الآلي (أنظمة الميكنة) إذا ما تم تصميمه بشكل صحيح يتوقع أن يوفر القيمة المخطط لها (داخل النطاق المحدد له).
وفي حين أن النظم الاجتماعية والثقافية مختلفة، إلا أن الذكاء البشري والحرية لهما على حد سواء تأثير سلبي وإيجابي كبير على توليد القيمة. إن السيطرة والحد من الأخطاء البشرية كان دائما يشكل قضية أساسية في إدارة الجودة، فضلاً عن تعزيز قدرات المساهمة الفردية من خلال التعليم والتدريب. إن نظرة المنظمة للأنظمة يجب ان تركز على العلاقات، والعمل على كيفية زيادة قدرات توليد القيمة من خلالها.
إن خصائص الأنظمة ليست مزيج من خصائص الأجزاء المكونة لها. بل إنها غالباً ما تكون نتائج لا يمكن التنبؤ بها من العلاقات الموجودة بين أجزائها؛ كما قال الدكتور تيتو.
إن تميز المنظمة هو حصيلة التضافر بين أعضائها. بالتالي ينبغي على القادة الذين يسعون جاهدين للوصول إلى التميز أن يجعلوا مسؤوليتهم الأولى إنشاء مستويات عالية من التضافر الإيجابي من خلال شبكات توليد القيمة العالية.
إختتم الدكتور تيتو ورقته بتسليط الضوء على المشاكل التي تواجهها المنظمات الصغيرة والكبيرة.
ويرى الدكتور تيتو أن “صعوبة مواكبة التكنولوجيا وتغيرات السوق، ومحدودية الموارد، والافتقار إلى المهارات المتخصصة” هي العقبات الرئيسية على طريق التميز بالنسبة للمنظمات الصغيرة وقد سمى هذه العقبات بالمشاكل الفنية.
وعلى العكس من ذلك، في حين أن المؤسسات الكبيرة تعاني عادةً وفي المقام الأول من مشاكل تنظيمية وإدارية مثل تجزئة الأنشطة وشح الاتصالات وانعدام التعاون بين الوحدات الوظيفية والتي تعتبر من أهم المشاكل.