الكاتب: الأستاذ نضال فريد الجعيدى
مقدمة:
التغيير هو كل تحول من حال إلى أخرى، و في عالم منظمات الأعمال يعني: التحول أو التنقل أو التعديل على مستوى الأهداف، الهيكل التنظيمي، الوظائف، العمليات، الإجراءات، القواعد…للتفاعل الإيجابي مع البيئة، بهدف المحافظة على المركز التنافسي الحالي وتطويره، ومن هذا المنطلق يمكن تعريف إدارة التغيير بأنها: العملية التي من خلالها تتبنى قيادة المنظمة مجموعة معينة من القيم، المعارف والتقنيات…، مقابل التخلي عن قيم، معارف أو تقنيات أخرى، وتأتي إدارة التغيير لتعبر عن كيفية استخدام أفضل الطرق اقتصادا، وفعالية لإحداث التغيير وعلى مراحل حدوثه بقصد بلوغ الأهداف المنظمية المحددة للاضطلاع بالمسؤوليات التي تمليها أبعاد التغيير الفعال.
وفي وقتنا الراهن تتعامل مختلف المنظمات مع ظروف بيئية تتسم بالديناميكية وسرعة التغيير وحدّته، وإزاء هذه البيئة المتغيرة وجب على القائمين عليها تبني إستراتيجيات تسمح لها بمواجهة التهديدات البيئية والمحافظة على موقعها التنافسي وتطويره. ولعل من أهم مصادر الميزة التنافسية التي يمكن أن تحقق هذا الرهان لهذا النوع من المؤسسات جودة المنتجات التي تقدمها للزبون، وهذا ما يستلزم على المشرفين عليها تبني مداخل إدارية تكون محورها الجودة، إلا أن التعديل الجزئي في العمليات قد لا يأتي بنتائج تحقق لهذا النوع من المؤسسات الموقع التنافسي المستهدف، لذلك لابد من إعادة التفكير بشكل جذري في العمليات المختلفة التي تتم في المنظمة خاصة منها تلك المرتبطة بالجودة، وإعادة تصميمها بالاعتماد على إستراتيجية للتغيير تنبني على أساليب حديثة على غرار إعادة الهندسة الإدارية وإدارة الجودة الشاملة.
فالتغییرفيحدذاتهمطلبضروريملازم لكلمنظمهعلىأنیكونمنالأسوأللأحسنولیسالعكس ، فالتغییر أساسكلتطویروتحسینوإصلاحلأخطاءالماضي ، كماأنالجمود والرتابةفيأيشيءیؤديتدریجیالموته وانتھائه ، فالحل الأول والأخير لتفادي ذلك يكمن في إدارة التغيير فهوعلمفيغایةالأھمیةلكلمنظمه تبحث عنالتطورعلىأسسمدروسة ،بدلامنإھدارالوقتوالاعتمادعلى الصدفة .
ويجدر بنا في صدد التكلم عن هذا الموضوع الاستشراف بالقائد الأول الذي نعتبره الرجل الأول في إدارة التغيير ” محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة والسلام” الذي أخرجنا من التخلف والرذيلة وقادنا نحو الرقي والتقدم ، حيث انه لمیقتبسطریقتهفيالتغییرمنفكرعصرهأومنفكرمن سبقوه ،إنما كلام منزل من رب السموات والأرض ، قال تعالى (( وما ينطق عن الهوى (3) إن هو إلا وحي يوحى (4))). هذا الإنسان الذي قاد التغيير من الضياع الى الصلاح والسلام قداجتمعفیهمنالصفاتوالمھاراتمالمیجتمعو لنیجتمعفيغیره .
والآن يجب أن نتطرق إلى مفهوم التغيير الذي ورد في العديد من الكتب الاداريه والنفسيه على ألسنة العديد من العلماء ، نذكر بعضها :
– يعرف بيكارد التطوير والتغيير التنظيمي بأنه جهد مخطط يشمل المنظمة بأكملها ويدار من القمة بغية زيادة فعالية التنظيم وتقويته من خلال تداخلات مدروسة في عملية التنظيم وذلك باستخدام نظرية العلوم السلوكية .
– ويعرفه فرنش بأنه جهد و نشاط طويل المدى يستهدف تحسين قدرة المنظمة على حل مشكلاتها وتجديد ذاتها من خلال إدارة مشتركة وتعاونية وفعالة لمناخ التنظيم تعطى تأكيداً خاصاً للعمل الجماعي الشامل .
– وفي تعريف آخر لهما هو سلسلة الجهود المستمرة والبعيدة المدى الهادفة إلى تحسين قدرات المنظمة على إدخال التجديد ومواكبة التطور وتمكينها من حل مشاكلها ومواجهة تحدياتها من خلال توظيف النظريات والتقنيات السلوكية المعاصرة الداعية إلى تعبئة الجهود الجماعية وتحقيق المشاركة الفرقية واستيعاب الحضارة التنظيمية . وإعادة صياغتها واعتماد البحوث الميدانية ودراسات العمل والاستعانة بخبراء التغيير والتطوير من داخل المنظمة وخارجها لوضع خططها والإسهام في متابعة تنفيذها .
– ويعرفه جبسون بأنه الجهود الرامية إلى زيادة فاعلية المنظمات عن طريق تحقيق التكامل بين الرغبات والأهداف الشخصية للأفراد مع أهداف المنظمة بوضع البرامج المخططة للتغيير الشامل لكل المنظمة وعناصرها .
– ويعرفه ألدرفر بأنه ” يتوق إلى تحسين نوعية حياة الجانب الإنساني للمنظمة وزيادة فعالية بعده التنظيمي ” .
– ويعرفه آخرون بأنه عملية للتجديد الذاتي تسعى المنظمة من خلاله إلى بعث الحداثة ومنع التراجع وإزالة الصدأ وإزاحة الجليد الذي يتراكم على النظم واللوائح أو يصيب الأفراد أو تتعرض له المعدات لتظل المنظمة محافظة على حيويتها وشبابها ومصداقيتها قادرة على التكيف والتجاوب مع الأزمات والظروف الصعبة .
ويلاحظ من هذه التعريفات أن التطوير التنظيمي عند أحدهم هو ( تغيير ) وعند الآخر ( تحسين ) وعند ثالث هو ( تجديد ) وعند رابع هو ( تحديث ) .
كم يلاحظ أن هذه التعريفات تتفق على أن :
” جوهر عملية التغيير والتطوير التنظيمي مرتبط بسلوك الفرد وسلوك جماعة العمل في منظمات العمل سواء كانت حكومية أو غير حكومية . وتكون أداة تنفيذ التغيير عن طريق تطوير القدرات والمهارات الإنسانية وحل مشكلتها باستمرار وفقاً للمتغيرات البيئية الاقتصادية منها أو الفنية أو التقنية .
و ستظل إدارة التغيير وعمليات التطوير التنظيمي من أهم التحديات التي تواجه القيادات في منظمات الأعمال، باعتبار ما تتطلبه عمليات التخطيط لها وحشد الموارد المتنوعة لتنفيذ هذه المخططات للتمكن من التفاعل الإيجابي مع التغيرات المستمرة على مستوى بيئتي العمل الداخلية والخارجية، عن طريق اغتنام الفرص والتقليل من تأثير التهديدات الخارجية، وترشيد استغلال نقاط القوة، وإيجاد الحلول المناسبة والسريعة لنقاط الضعف.
مفهوم مقاومة التغيير : هي سلسلة الجهود التي من خلالها يحاول عدد من الأفراد المتأثرين من عملية التغيير والغير مؤيدين له لأسباب مختلفة الامتناع عنه و عدم الخضوع للتغيير المراد تنفيذه على عمليه أو إجراء أو سلوك معين والرغبة في المحافظة على الوضع القائم والبقاء على ما هو عليه في الواقع الحالي .
ولكن هذه المقاومة قد لا تكون سلبيه في اغلب الأحوال بل ربما يكون ايجابيه ، حيث تتمثل ايجابية المقاومة عندما يكون التغيير المقترح سلبيا بمعنى أن الفوائد المتحققة منه أقل من التكاليف المدفوعة ، وعدم الامتثال له يصب في مصلحة الإدارة .
أسباب مقاومة التغيير :
عملية التغيير ليست بالعملية السهلة ، بل إنها تقابل بالمقاومة من قبل العديد من الأشخاص في أي منظمة كانت ، فطبيعة الإنسان البشرية بفطرتها تفضل الاستقرار والثبوت ، لذلك سنتطرق هنا إلى أهم العوامل والأسباب التي من خلالها توجد مقاومه للتغيير :
1- أسباب ماليه : ويعتبر هذا من الأسباب المهمة والرئيسية التي قد يتبعها مقاومه عنيفة خصوصا إذا كانت تخص فئات عليا في المنظمة كشركاء أو ضمن الإدارة العليا ، حيث أن التغيير عادة يصاحبه زيادة في التكاليف خلال الفترة القصيرة ذلك يؤدي إلى مقاومتهم له دون التفكير بالنتائج التي يمكن أن تترتب على المدى البعيد أو عندما تحاول تحسين مستوى الخدمة أو القيام بأمور من شأنها تحفيز العاملين فإن بعض المديرين لا يرى فائدة لذلك لأنه يريد تقييم ذلك بشكل مادي مباشر. فهذا المدير لا يستطيع أن يتفهم العلاقة بين رضاء العميل وتحفز العامل وبين الربحية. صحيح انك لا تستطيع تحديد ذلك بأرقام محددة ولكن العلاقة واضحة تماما. فالتركيز على أرقام التكلفة قد يجعل بعض المديرين لا يرى فائدة من التغييرات ذات التأثير غير المباشر، أو ربما نجد مقاومه من مختلف العاملين في المنظمة عندما يرى احدهم بان الآخر سيحقق مكاسب ماديه لصالحه مقابل مصلحته الشخصية .
2- الخوف من المجهول : كثير من الأفراد يقاومون التغيير لأن النتائج تكون غير واضحة أو مؤكده ، فالاحتفاظ بالموجود أيسر وأسهل من الوقوع في دوامة المجهول تبعا لاعتقادهم لأن ذلك يكسبهم شعورا بالأمان والاستقرار . إلا أنه في الواقع العملي إذا كانت هنالك منظمه تدير أعمالها بنفس الأسلوب لأكثر من أربع سنوات فلا بد من أن هناك خطأ في إدارتها .
3- الخوف من فقدان بعض المميزات: التغيير قد يصاحبه تخوف العاملين من فقدان مصادر قوتهم فالعامل الذي ظل يعمل لسنوات بأسلوب تقليدي يخشى أنه سيصبح متعلما مثل العامل الذي التحق بالخدمة حديثا. وعندما تحاول تطبيق أساليب العمل الإلكتروني يخشى بعض المديرين من إتاحة المعلومات التي كانت ملكا لهم ولا يطلعون عليها إلا من أرادوا. قد يصل الأمر إلى خوف فقدان الوظائف أو نقصان الحوافز المادية نتيجة للتغيير. وهناك جانب اجتماعي وهو الخوف من إعادة توزيع العمالة وهو ما قد يؤدي بالعامل للانتقال إلى مجموعة عمل جديدة والبعد عن المجموعة الحالية التي ارتبط بها بعلاقات قوية.
4- التغيير في العلاقات والارتباطات الشخصية : حيث يكمن هنا الخوف من تأثير التغيير على العلاقات الشخصية ، خصوصا عندما يحدث تغيير في النواحي الفنية فمثلا قد يرفض الرئيس تغيير وظيفة أحد مرؤوسيه خوفا من أن يتسبب ذلك تعكير صفو العلاقة بينهما .
5- محاولة تجنب المخاطرة: أي تغيير يحمل جانبا من المخاطرة ولذلك فإن الكثير من المديرين يفضل ألا يغير شيئا خوفا من فشل التغيير. فهؤلاء يحاولون تصوير أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان لكي لا يضطروا لمواجهة المخاطرة.
6- عدم فهم أهداف التغيير ومبرراته إضافة إلى عدم رؤية المميزات: أي تغيير يكون له جوانب سلبية وأخرى إيجابية ولكن علينا إحداث التغييرات التي تكون جوانبها الإيجابية أكبر من جوانبها السلبية. ولكن البعض يركز على الجوانب السلبية فيبدأ يَعُد لك المشاكل والمخاطر ولا يلتفت إلى الفوائد التي ستحدث من جراء هذا التغيير. فمن ضمن المشاكل المعتادة أن العاملين اعتادوا على الوضع الحالي، أن هناك تكلفة ومجهود مطلوبان للقيام بالتغيير، أن هذا يستلزم تدريب العاملين مرة أخرى. ويمكن صياغة هذه النقطة بطريقة أخرى وهي عدم رؤية الحاجة للتغيير وهو ما قد يعني عدم رؤية المشاكل الحالية التي تستلزم التغيير.
7- فقدان الإحساس بالمشاركة: عدم استشارة العاملين الذين سيتأثرون بالتغيير يجعلهم يقاومون هذا التغيير لإحساسهم بأنهم لم يشاركوا فيه. وعلى العكس تماما فإن مشاركة العاملين والمديرين في التغيير يجعلهم يبذلون ما في وسعهم للتغلب على الصعاب في سبيل نجاح هذا التغيير.
8- عدم توفر الموارد المناسبة للتغيير: مقاومة التغيير قد تنبع من عدم توفر الوارد المادية اللازمة للتغيير أو عدم توفر الأدوات أو العمالة اللازمة أو توقع عدم توفير ذلك مستقبلا.