الكاتب مهندس: الحاج عبد المولى
يعد التصنيع الغذائي من اكبر القطاعات الحيوية و التي تساهم بنسبة عاليه في صافي الدخل القومي في العديد من الدول العربية و الاسلامية. و نظراً لخصوصية العالم الاسلامي و ما به تحفظات على الانتاج الأجنبي و خاصة الصناعات الغذائية التي يدخل الحيوان طرفاً فيها كصناعة اللحوم و مشتقاتها، و التي تخضع لرقابة عالية على طريقة الذبح و نوعية اللحوم المستخدمة فيها و مدى توافقها مع الشريعة الاسلامية. هذا مما يجعل هناك طلبا كبيرا على المنتجات الوطنية من الصناعات الغذائبة. و لكن و بالرغم من ذلك نجد ان الصناعات الغذائية الوطنية تتراجع امام المنتجات الأجنبية و ذلك لعدة أسباب نجملها فيما يلي:
o جودة المنتج الأجنبي مقارنة بالمنتجات الوطنية.
o ارتفاع تكاليف الانتاج و الإستثمار للمنتجات الوطنية نسببة لإعتمادها على المواد الخام و التكنولوجيا الأجنية.
o صعوبة منافسة المنتج الأجنبي من حيث السعر و الجودة.
o اعتماد مؤسسات الأعمال الأجنبية على سياسة الأغراق.
إذا يبقى التحدي امام هذه المنتجات الوطنية قائما ما لم تنتهج استراتيجية واضحة لحماية المنتج الوطني و ابداء تفوقه على المنتجات العالمية الغازية.
و قد كانت الدول العربية و الاسلاميه في السنوات الماضية قبل اقتصاد العولمة تحمي المنتجات الوطنية عن طريق دعم السلع و المنتجات الوطنية جتى تعرض في السوق بسعر منافس للمنتج الأجنبي بلإضافة لفرض رسوم جمركية عالية على السلع المستوردة حتي تحد من منافستها للسلع الوطنية و تفسح الطريق لريادة المنتجات الوطنية. و حيث ان الكثير من الدول الاسلامية و العربية قد دخلت في اتفاقية التجارة العالمية نجد ان من الصعب دعم المنتج الوطني بهذه الطريقة التي عهدناها و التي تتنافي مع مبادئ اتفاقية التجارة العالمية التي تدعو لتحرير الأسعار و عدم دعم المنتجات الوطنية مقابل المنتجات الأجنبية لتبقى آلية السوق او ميكانيكية العرض و الطلب هي الحكم و الفيصل امام العميل لإختيار المنتجات المطروحة في السوق. إذا يبقى التحدي المطروح امام المنتج الوطني انتهاج استراتيجية تدعم جودة المنتج و تساعد في تقليل التكلفة و بالتالي طرح المنتج الوطني باسعار منافسة و جودة عاليه ترتقي لمستوي الجودة العالمية.
و تعد استراتيجية إدارة الحودة الشاملة TQM و إدارة سلامة الأغذية FSMSمن اهم النظم الادارية التي يمكن انتهاجها في مثل هذه الظروف سالفة الذكر. هذا و قد اكدت الدراسات السابقة لعلماء الجودة و المهتمين بدراسات الجودة اثر الجودة الايجابي على تقليل التكلفة و تطوير جودة المنتجات. و هذا يعتبر المنطلق الاستراتيجي للصناعات الغذائية لتجاوز عقدة المنتجات الأجنبية. فعلى سبيل المثال منتجات الدواجن في الدول الخليجية اذا ما قورنت بالمنتجات الاجنبية، نجد ان المنتجات الأجنبية تمتاز بالجودة العالية و انخفاض الاسعار مقارنة بالمنتج الوطني بيد ان المنتج الوطني يمتاز بوجود منتج طازج و هو المفضل في السوق الوطني بينما المنتجات الأجنبية منتجات مجمدة. فإذا ما استغلت المنتجات الوطنية هذه الميزة المفضلة للمنتج الطازج و رفعت من جودتها بتطبيق نظم الجودة و سلامة الغذاء بالإضافة إلى الزام المنتجات الأجنبية بتطبيق المواصفات الوطنية المعتمدة على المنتجات المستوردة يمكن للمنتج الوطني منافسة المنتجات المستوردة.
و في هذا السياق نستعرض بعض نظم سلامة الأغذية المستخدمة في مجال الصناعات الغذائية.
1- نظام التحليل العشوائي لنقاط التحكم الحرجة HACCP
2- ISO 22000
أولا: نظام التحليل العشوائي لنقاط التحكم الحرجة HACCP
نظام الهاسب HACCPهو اختصار للعبارة الانجليزية Hazard Analysis of Critical Control Points. و هو نظام يؤكد التحكم في المخاطر التي تؤثر على سلامة الغذاء و ذلك من خلال تقييم هذه المخاطر و وضع البرامج و المعالجات اللازمة لازالتها او تقليلها للحد الذي يحول دون خطورتها. ابتكر نظام الهاسب بواسطة احدى الشركات الامريكية المسئولة عن التموين الغذائي للرواد و العاملين في وكالة الفضاء الامريكية ناسا و قد كان ذلك في ستينات القرن الماضي و كان في بداية الامر يعتبرنظاما للتحكم في المخاطر المايكروبايولوجية. و لكن في المفهوم الحديث للمخاطر هي مخاطر بايوجية، كيميائية و فيزيائية. فالمخاطر البايولوجية (Biohazards)هي الاحياء الدقيقة و الفيروسات او اي مادة ناتجة منها تسبب خطرا لسلامة المستهلك. اما المخاطر الكيميائية فتشمل كافة المواد الكيميائية التي من شأنها ان تؤثر على صحة و سلامة المستهلك كبقايا المضادات الحيوية في اللحوم و الألبان و المبيدات في الخضروات و المواد المسرطنة في بعض الأغذية و غيرها. اما المخاطر الفيزيائية كوجود اجسام صلبة في بعض المنتجات تسبب ضررا للمستهلك و من المخاطر الفيزيائية التلوث الاشعاعي للمنتجات الغذائية كما يبدوا جلياً هذه الأيام للمنتجات اليابانية و قد رأينا الضوابط الاجرائية المطبقة عليها بعد كارثة التسرب النووي في مفاعل فوكوشيما. و من الواضح ان نظام الهاسب يعتبر اجراء وقائي في إدارة سلامة الأغذية إذ أنه يُبني على تحديد المخاطر قبل وقوعها و تحديد المعالجات اللازمة لازالتها او التقليل منها الى دون درجة الخطر. و يبقى السؤال ماهي المبادئ و الأسس التي يرتكز عليها نظام التحليل العشوائي للمخاطر؟. يقوم نظام تحليل المخاطر الحرجة على سبعة مبادئ من شأنها القيام بالتخطيط و التطبيق و المراقبة للنظام حتى يؤدي الدور المناط به في سلامة الاغذية. و يمكن اجمال هذه المبادئ فيما يلي:
1- تحليل المخاطر: و تعني تحديد و اقتراح المخاطرالمحتملة بانواعها الثلاثة و المرتبطة بكل مرحلة من مراحل الانتاج و عملياته المختلفة. حيث تستخدم في ذلك الخرائط التدفقية للعمليات الانتاجية و من ثم تحديد المخاطر المرتبطة بها. و عند تحديد المخاطر يجب ان يكون هناك تفصيلا لدرجة حدوثها و خطورتها و ماهي الاحتياطات اللازمة للقضاء عليها او تقليلها للدرجة المسموح بها.
2- تحديد النقاط الحرجة Critical Control Points (CCP)
و هي تحديد النقاط او العمليات التي يمكن التحكم فيها لازالة و تقليل حدوث لمخاطر المعنية للمستوى المسموح به في الصناعة. وسوف نتناول لاحقا طرق تحديد النقاط الحرجة.
3- تحديد المدى المسموح به للمخاطر Critical Limits
هي الحد المسموح به لنسبة الخطر و الذي يوضح ان النقطة الحرجة متحكم فيها بالصورة المطلوبة التي تضمن سلامة المنتج.
4- وضع نظام لمراقبة النقاط الحرجة: و هذه تتم بواسطة القياسات و المراقبة الدورية للنقاط الحرجة و رصد اي انحرافات عن المستويات المسموح بها.
5- وضع و تحديد الاعمال التصحيحية اللازمة لأي انحراف عن المستوى المسموح به و تحديد المسئول عن كل منها.
6- تحديد نظام لمراجعة التطبيق للتأكد من سير نظام الهاسب حسب ما خطط له ويكون ذلك من خلال المراجعة الداخلية و الخارجية للنظام.
7- و ضع نظام مستندات او ارشفة لكل العمليات و السجلات الخاصة بتنفيذ هذه المبادئ.
من الملاحظ نظام السجلات و الارشيف للعمليات و الاعمال التصحيحية لاي انحراف كل ذلك لتأكيد ان نظام الهاسب يسير حسب ما خطط له. و من الأمور الهامة ايضا في تطبيق نظام الهاسب التزام الادارة العليا و التدريب لكوادر العمل بالاضافة الي البرامج المطلوبة و المصاحبة للعمليات كبرامج التطهير و الممارسات الصاعية الجيدة GMPو غيرها.
في بداية ظهور نظام الهاسب كان نظاما مستقلا و له اعتماد خاص به وعلى ضوء ذلك تحصل الشركات على شهادة تطبيق نظام الهاسب. و لكن بعد ظهور المواصفة ISO 22000 اصبح نظام الهاسب مندرجا بالمواصفة كأحد بنودها و بالتالي تصبح اي شركة مطبقة للمواصفة مطبقة ضمنيا لنظام الهاسب.
مراحل تطبيق الهاسب:
يمر تطبيق نظام الهاسب على اي مشروع بـ 12 مرحلة تشمل السبع مبادئ الاساسية مضافا اليها 5 مراحل أولية يمكن ايجازها فيما يلي:
1. تكوين فريق الهاسب:
عند تكوين فريق الهاسب يجب ملاحظة ان عضوية الفريق تشمل على مختلف التخصصات في سلسة العمليات و الإدارة العليا كموظفي الانتاج و الصيانة و مراقبة الجودة و الموارد البشرية وغيرها. و قد يتسائل الواحد منا عن الحكمة في التنوع في العضوية. فمثلاً الإدارة العليا تكسب الفريق الدعم و الالتزام من الادارة العليا و وجود الادارة العليا في عضوية الهاسب يساعد الادارة على تفهم ثقافة سلامة الأغذية و بالتالي توفير الدعم المالي و الاداري لبرامجها. اما موظف الموارد البشرية فهو الجهة التي توفر البرامج التدريبية للعاملين و كذلك تسهم في اختيار الموظفين ذوي الكفاءة العاليه لالحاقهم بإدارة الجودة فإذا افتقر فريق الموارد البشرية للمعرفة باساسيات ثقافة الجودة لن يفلح بتدريب الكوادر و اختيار اصحاب الكفاءة لانجاح البرنامج. و كذا الحال في افراد الصيانة و الانتاج و غيرها.
2. وصف المنتج:
يجب وصف المنتج المستهدف ببرنامج الهاسب من حيث مكوناته و وصف العمليات التي يمر بها و طبيعتها، نظام التصميم و التغليف المستخدم و نظام التخزين و التوزيع و فترة الصلاحية المطلوبة للمنتج Shelf Lifeو تعليمات الاستخدام و غيرها.
3. تحديد استخدامات المنتج:
يجب تحديد استخدامات المنتج و العملاء المستهدفين ( المستشفيات، الشخصيات الرفيعة في المجتمع ام عامة الناس)
4. بناء خرائط التدفق الخاصة بالمنتج :
يجب وضع خرائط التدفق الخاصة بالعمليات الداخلية و الخارجية بكل دقة و التي على ضوئها يتم وضع خطة الهاسب. يجب اضافة كل العمليات بداية من استلام المواد الخام الى تسليمه للمستهلك الأخير مع الاشارة لفترات التوقف و كل النواحي الفنية الواردة بالعمليات.
5. تأكيد التطابق بين العمليات و خرائط التدفق:
يحب على فريق الهاسب عند تطبيق الخطة مراقبة العمليات الانتاجية و خرائط التدفق للتاكد ان العمليات الانتاجية تسير وفق المسار المخطط لها و عمل التعديلات اللازمة ان دعت الضرورة لذلك.
اما الخطوات الأخرى 6- 12 فهي المباددئ السبعة آنفة الذكر.
نتوقف عند هذا الحد على أمل مواصلة الموضوع في الأعداد القادمة و سنتاول في المقال القادم:
o النماذج المستخدمة في نظام الهاسب و المرتبطة بكل خطوة من خطوات التطبيق
o الطريقة العلمية لتحديد النقاط الحرجة
o المراجعة الداخليه على النظام و النماذج المرتبطة بالمراجعة و الاعمال التصحيحية.
و ختاما اتمنى ان أكون بذلك اشرت الى بعض النقاط الاساسية في إدارة سلامة الأغذية متمنيا ارسال مرئياتكم و توجيهاتكم إخوتي وأخواتي عشاق عالم الجودة للمزيد من التحسين في طرح و تناول الموضوعات القادمة.