بقلم رئيس التحرير مهندس مجدي خطاب
يمثل عام 2025 نقطة تحول جوهرية في مسيرة تطور مفاهيم الجودة على المستوى العالمي. فالجودة لم تعد محصورة في إطار الالتزام بالمعايير والإجراءات الرقابية، وإنما أصبحت نهجًا استراتيجيًا يهدف إلى تعزيز القيمة المستدامة للمنتجات والخدمات، وضمان توافقها مع توقعات أصحاب المصلحة في بيئة سريعة التغير، فالجودة اليوم تتجاوز حدود المنتج أو الخدمة، لتشمل أثرها على البيئة، والمجتمع، واستدامة الموارد، وصولاً إلى تعزيز قيمة الإنسان نفسه.
لقد شهدنا هذا العام تحولاً نوعياً في كيفية ارتباط الجودة بالاستدامة؛ فلم تعد الاستدامة خياراً ترفيهياً أو شعاراً تسويقيًا، بل أصبحت مطلبًا جوهريًا لأي منظمة تطمح إلى البقاء في سوق تنافسي سريع التغير. فأفضل الممارسات العالمية اليوم تؤكد أن الجودة الحقيقية هي تلك التي تحافظ على الموارد وتدعم الأجيال القادمة.
في ذات السياق، لعب الابتكار دور المحرك الأساسي لتطور أنظمة الجودة. فلم يعد التطوير مقتصرًا على تحسين الإجراءات، بل أصبح موجهاً لابتكار حلول خلاقة لمشكلات معقدة: من تصميم منتجات أكثر صداقة للبيئة، إلى تطوير خدمات رقمية تلبي توقعات عملاء أكثر وعيًا ونضجًا.
أما الذكاء الاصطناعي، فقد كان العنوان الأبرز لعام 2025. فمن خلاله، أصبحنا نملك القدرة على تحليل بيانات ضخمة في ثوانٍ، والتنبؤ بمستويات الجودة قبل ظهور العيوب، وتخصيص الخدمات بما يتناسب مع احتياجات كل عميل على حدة. وهكذا، انتقلت الجودة من كونها عملية مراجعة لاحقة إلى كونها عملية استباقية وذكية.
وفي ضوء هذه التحولات، يمكن القول إن الجودة في عام 2025 قد انتقلت من كونها مجرد «إطار إداري» إلى كونها «منهج شامل» يجمع بين التكنولوجيا والاستدامة والابتكار، ويعيد تشكيل العلاقة بين المنظمة والمجتمع.
وفي الختام، نستطيع القول إن الجودة في 2025 أصبحت أكثر شمولاً وإنسانية وابتكاراً. إنها جسر يصل بين التكنولوجيا والاستدامة، بين تطلعات العملاء وواقع المنظمات، وبين حاضرنا ومستقبلنا. وما العدد الحالي من مجلة عالم الجودة إلا انعكاس لهذا التوجه، ودعوة مفتوحة لكل قارئ للمشاركة في بناء عالم تُقاس جودته بمدى استدامته وابتكاره وإنسانيته.